تونس : ناجى جلول، ما يشبهلناش

دعوة ناجي جلول إلى سلام الشجعان أو المصالحة الشاملة مع حركة النهضة أنما هي محاولة فاشلة للقفز على حقائق الميدان كما يقال و مجرد نظريات أحادية الجانب لا ينظر إليها الإخوان أنفسهم بعين الانتباه لذلك نصدّق ما قاله أحدهم “أنت كنت سياسيا فأصبحت أستاذا جامعيا”.

بقلم أحمد الحباسي

بين الفينة و الأخرى  يطفو على سطح الأحداث السياسية فى تونس من يدعو جهارا نهارا إلى إعادة إحياء حركة النهضة و عودتها سالمة غانمة للمشهد السياسي و للحكم و توفير البيئة الوجدانية التي تؤدي بالرأي العام إلى تقبل هذه العودة كأن شيئا لم يكن.

سمة هؤلاء الداعين للتطبيع مع حركة النهضة أنهم كانوا في زمن ولّى ربما خصوما لها أو هكذا خيّل إلينا و أن “نضالهم” يعطيهم الحق في إعادة الحياة لمن يشاءون تحت أي مسمّى و وفق أي تصوّر.

يفسر هؤلاء الدعاة إلى ما يشبه سلام الشجعان أو المصالحة الشاملة على غرار ما حدث في جنوب إفريقيا و غيرها من البلدان بأن فترة الانقسام قد أضرت بمستقبل البلاد و زادت في هشاشة نموها و أن ما حصل من حركة النهضة (بشكل مباشر أو غير مباشر) من إرهاب و تفجير و سرقة للمال الخاص و العام و التخابر مع دول أجنبية و ضرب الوحدة الوطنية و تكوين و استعمال جهاز عسكري سري و اغتيال المعارضين و اختراق المؤسسة الأمنية و العسكرية إلى غير ذلك من الخطايا هو  مجرد طيش و لعب أطفال و أن وضع اليد في يد القتلة مطلوب كل ذلك باسم تكوين جبهة وطنية معارضة لخيارات الرئيس و قادرة على توفير البديل في الحكم و في الانتخابات الرئاسية.

من مساحة الصواب إلى المساحة الخطأ

تكمن خطورة هذه الدعوة التي يصرّ السيد ناجي جلول وزير التربية السابق و القيادي السابق في حزب نداء تونس و رئيس الائتلاف الوطني التونسي على تسويقها هذه الأيام هو أن الرجل ينطلق من مساحة الصواب إلى المساحة الخطأ التي تبيّض حركة الإرهاب و الخيانة للوطن و تساعدها على العودة إلى مساحة السياسة و الحكم بكل أفكارها التكفيرية المنحازة للعنف و لتنفيذ مشاريع التآمر الخارجية على الوطن التي لم تتغيّر لدى مرشدها أو كل قياداتها بمن فيهم السادة عماد الحمامي أو عبد اللطيف المكي أو  حمادي الجبالي أو سمير ديلو أو رضا الشعيبي و ادعاء صاحب هذه الدعوة و الرؤية حماية مستقبل البلاد و رتق الانقسام.

من المؤكد أن من يدفع إلى هذا الطرح العقيم أو يهيء التربة له يرتكب جريمة موصوفة في حق الوطن لأنه ارتضى لنفسه أن يصبح جسرا تعبر فوقه جماعة إرهابية لم تتغير رغم الصدمات و حالات الرفض الشعبية التي واجهتها و آخرها ليلة 25 جويلية 2021 و في كل المحطات الانتخابية التي تلت انتخابات 2011. حركة النهضة لا تزال رئة  يتنفس منها الإرهاب وهي تمثل خطرا داهما و ورما خبيثا يستحق كل الانتباه.

لا نريد شيطنة تصريحات السيد ناجي جلول و لا اتهامه و لا دعوته لأن يتملص منها بالادعاء بكونها قد أخرجت من سياقها و يكفي التلميح فقط إلى أن هذه التصريحات المتواترة قد لاقت غضبا ملحوظا في وسائل الاتصال خاصة حين اعتبرها البعض مجرد أحاديث إعلامية  لجسّ النبض و تسجيل الحضور لغايات لا تزال مخفية و ربما غمز البعض من زاوية فقدان الرجل لقاعدة شعبية رغم كل محاولاته المختلفة و التي جعلته يعبر منذ فترة قصيرة عن  استعداده للاستقالة من العمل السياسي.

أيضا هناك من يذهب إلى أن هذه الدعوة  ليس الغرض منها لمّ الشمل لأن ذلك يمثل طرحا مستحيلا و غير قابل للتطبيق أو التصديق بل هي حركة تذاكي من شخص متقلب الأطوار و المواقف و التصريحات لاستقطاب الخزان الانتخابي لحركة النهضة و غيرها من المغضوب عليهم من الرئيس قيس سعيد الذين يتواجد أغلبهم في السجون إلى أجل غير مسمى.

خطاب الغباء السياسي بامتياز

إن الادعاء بكون ما يطرحه السيد ناجى جلول هو خطاب العقل لا يستقيم إطلاقا و كل الوقائع و الشواهد و الحقائق تكذبه لتجعل منه خطاب الغباء السياسي بامتياز.

يقول السيد ناجي جلول أنه على المجتمع السياسي أن يفكر بطريقة جديدة و يكفى من خطاب تقسيم التونسيين و يجب الدعوة إلى حوار وطني يشمل الجميع بمن فيهم الاخوانجية و يستثنى الأستاذة عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر و يعلل  قناعته المستفزة بهذا الاستثناء بكون هذه السيدة “ما تشبهلناش” –  هكذا بصورة الجمع – دون أي تفسير سوى بعض الاتهامات المرتبكة التي تحملها لوحدها مسؤولية ما وصفه الرجل “بالعرك و المعروك” في فترة رئاسة الشيخ راشد الغنوشي لمجلس نواب الشعب. 

بالمقابل يعتبر الرجل أن السيد عبد اللطيف المكي المعروف بتطرفه و مساندته المطلقة لخيارات حركة النهضة التي دمرت البلاد طيلة عشرية كاملة شخصا “يشبهه” كما يعتبر الرئيس قيس سعيد، و في تناقض غريب، شخصا يشبهه مع أنه يتهمه بتدجين القضاء و عدم احترام مؤسسات الدولة و خواء برنامجه السياسي و الاقتصادي.

أيضا لا يمكن السهو أن السيد ناجي جلول لا يرى مانعا من تمرير مشروع صندوق التنمية القطري و لا يعتبر بنود ذلك المشروع ماسّة بالسيادة الوطنية.

هناك حقيقة ثابتة تؤكد أنه لا أحد من قيادات حركة النهضة قد قام بالمراجعات السياسية المطلوبة كما أن هذه المراجعات غير مطلوبة أصلا لأنه مطلب مستحيل و لأن الحركة هي فصيل إرهابي من فصائل حركة الإخوان المسلمين التي لم تقم بهذه المراجعات رغم كل ما حصل لها في مصر.

بين السياسي و الأستاذ الجامعي

حقيقة أخرى تقول أن المطلوب فعلا هو صياغة خطة عملية لتفتيت فكر الإخوان و العمل على تفكيكها مع حسن قراءة التحولات التي تمر بها هذه الحركة بفعل اكتشاف مخططاتها و دعوة الناس إلى محاسبة قيادتها إضافة إلى العمل على معرفة الحقيقة في ملف التسفير و الاغتيالات و الجهاز العسكري السري.

إن مواجهة الحركة لا تقوم إلا على موقف فكري و ايديولوجى نابع من الفكر الديني المنفتح بحيث يتم التعامل مع هذه الظاهرة المقلقة كمرض فكري متشعب يستوجب كثيرا من الحذر في التعامل و العلاج .

للأسف تمثل دعوة السيد ناجي جلول محاولة فاشلة للقفز على حقائق الميدان كما يقال و مجرد نظريات أحادية الجانب لا ينظر إليها الإخوان أنفسهم بعين الانتباه  لذلك نصدّق ما قاله أحدهم “أنت كنت سياسيا فأصبحت أستاذا جامعيا”.

كاتب و ناشط سياسي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.