حول تواجد الموساد في تونس، لنتحدث بصراحة…

يسرح و يمرح و لا يهتمّ ، جهاز المخابرات الإسرائيلي المسمى بالموساد في تونس يسرح و يمرح و لا يهتمّ، نكررها ليس من باب التأكيد لأن وجود الموساد في تونس قد أصبح أمرا واقعا لكن نكرر من باب الأسف و الحزن ذلك أن هذه “الثورة” اللعينة لم تأت لتونس إلا بالمصائب و التفجيرات والإرهاب و نهب أموال الدولة و سقوط القضاء و خيانة الضمير.

 بقلم أحمد الحباسي

لعله من باب الأمانة الأدبية علينا أن نلاحظ أن وجود الموساد في تونس ليس وليد اليوم لأن الحركة الصهيونية التي قامت و تم زرعها في فلسطين بفضل وعد بلفور الشهير كان لها دور استخباراتي مهم في نقل اليهود الذين كانوا يعيشون في كثير من البلدان العربية و جاء هذا الوعد المشئوم ليزرع فيهم أملا بالانتقال إلى “أرض الميعاد” و تعزز هذا الدور قبل و بعد حرب 1967 أو ما يسمى بحرب الأيام الستة.

وجود الموساد في تونس رافقه إنشاء خلايا يهودية مسلحة مهمتها حماية الوجود اليهودي في تونس و تسخير كل الإمكانيات بالتعاون مع فرنسا و جهات مخابرات أجنبية أخرى لنقل أعداد المهاجرين.

عمليات اغتيال قادة فلسطينيين في تونس

تعزز دور الموساد و تعاونها مع المخابرات الأمريكية بعد انتقال القيادة الفلسطينية برئاسة الزعيم الراحل ياسر عرفات من لبنان سنة 1982 واستقرارها في تونس و باتت الأجهزة الأمنية التونسية مخترقة بل كان هناك حديث عن تواطؤ قيادات أمنية عليا في حصول عمليات اغتيال طالت قيادات فلسطينية من بينها الشهيدين صلاح خلف (أبو إياد) و خليل الوزير (أبو جهاد) سنتي 1985 و1988 إلى أن جاءت اتفاقية أوسلو الشهيرة و ما تتطلبته من اتصالات خفية بين الجانبين الصهيوني و الفلسطيني لتعزز وجود المخابرات الصهيونية في تونس و تؤسس مكتبا قارا تحت غطاء السفارة الأمريكية بتونس التي كانت تعلم بحجم خيانة بعض الكوادر الأمنية التونسية المحسوبة عليها.

بطبيعة الحال لم يقتصر نشاط هذا المكتب في تونس بل توسّع ليشمل دول الجوار و يشارك في جمع المعلومات حول أنشطة بعض الجماعات المتطرفة و التي كانت تعادى وجود الولايات المتحدة و إسرائيل في المنطقة بحيث باتت تونس منطقة إستراتيجية استغلتها إسرائيل للقيام بعدة عمليات اغتيال تمت في عدة مدن غربية لا تزال خيوطها غير واضحة.

في فيلم “قائمة الجواسيس” (Spy list) للمخرج التونسي فرج الطرابلسي حديث عن قائمة جواسيس الموساد الإسرائيليين الذين تم إرسالهم إلى عدة بلدان من بينها تونس قصد نشر ما يسمى بالفوضى الخلاقة و الإطاحة بالأنظمة القائمة باستعمال شبكة الواب و هي قائمة تم كشفها من أحد الهاكر التونسيين بعد دخوله على موقع الموساد في إسرائيل.  

لعل الأحداث الأخيرة  في تركيا و التي تتعلق باكتشاف شبكة عملاء للموساد من بينهم تونسيان تبيّن خطورة هذا الجهاز الذي تحول إلى إخطبوط يستقطب العملاء من كل بلدان العالم لاستخدامهم في تنفيذ عملياته الدموية القذرة بحيث يقوم هؤلاء الخونة بمهام اغتيال و غيرها دون أن  يتحمل هذا الجهاز مسؤوليتهم في حالة القبض عليهم و منا هنا تطرح عديد الأسئلة عن التعاون الوثيق بين هذا الجهاز و جهات معينة فيما يعرف بالإسلام السياسي و التي  نفذت عمليات اغتيال مثل اغتيال الشهيدين شكري بلعيد و محمد البراهمي بقيت ملامحها التفصيلية غامضة و مثيرة للرأي العام.

ربما طرح اغتيال الشهيد المناضل و المهندس الطيار محمد الزواري أحد كبار المهتمين بصناعة الطائرات المسيرة يوم 15 ديسمبر 2016 بمدينة صفاقس التونسية و أحد كبار المساندين للقضية الفلسطينية عديد التساؤلات حول كيفية و قدرة الموساد الصهيوني على تجنيد هذا العدد الهائل من جنسيات مختلفة بعضهم من التونسيين للمشاركة في تنفيذ عملية الاغتيال الغادرة و مغادرة أغلبهم للتراب التونسي بتلك السرعة.

تجنيد العديد من العملاء العرب

تحوم التساؤلات طبعا حول دور بعض القيادات الأمنية التي لا تزال ترفض المثول أمام حاكم التحقيق المتعهد بقضية الاغتيال و حول الدور الذي لعبته فيها و ربما دور بعض رموز الفساد و الإرهاب في تونس.

في هذا المجال يمكن القول أن الموساد هو المستفيد الأكبر من كافة التحولات التي عصفت بالمنطقة العربية منذ سنة 2003 تاريخ سقوط نظام الرئيس العراقي صدام حسين و قد استطاع تجنيد العديد من العملاء من مختلف المشارب و الالوان لاستعمالهم فى جمع المعلومات و تنفيذ بعض المهام القذرة.

رغم خطورة وجود الموساد في تونس على أمن البلاد و رغم ما قام به من عمليات دموية و اغتيالات بل رغم ما جاء بتحقيق مهم لجريدة “الشروق” الجزائرية  بتاريخ 18 أفريل 2014  التي تحدثت عن وجود ما لا يقل عن 400 عنصر من الموساد في تونس يتخفون بانتحال صفات و اشتغال مهن مختلة  فإن تعتيم السلطات التونسية حول الموضوع بقى سيد الموقف و لم يتجرأ أي نائب من نواب الشعب أو أية وسيلة إعلام على طرح الموضوع أمام الحكومة للرد عليه و كشف المستور الأمر الذي يثير كثيرا من علامات الاستفهام حول إمكانية وجود ضغوط خارجية تدعو السلطة التونسية إلى الحذر في تناول هذا الموضوع.

مراهنة الصهاينة على التطبيع

إن مراهنة الصهاينة على التطبيع مع الدول العربية لم يأت من فراغ  لان دور الموساد في الاستقطاب و بث الدعايات و تشويه المعارضين للكيان و تمويل إعلام الخيانة و الترهيب وصولا للتخلص من كل من يقف ضد التطبيع هو دور بالغ الأهمية خاصة أن هذا الجهاز لا يتورع في استغلال أحداث مثل زيارة اليهود من أصل تونسي إلى معبد “الغريبة” يمثل فرصة كبرى للقيام بعدة أنشطة استخبارية و تبادل معلومات صالحة لتحيين بنك معلومات هذا الجهاز المريب.

لا يمكن الحديث عن وجود الموساد بتونس طبعا دون الحديث عن دور أحد كبار الأمنيين العملاء المدعو “أ. ب.” وهو الشخص الذي أعطى عدة معلومات عن تحركات الشهيد ياسر عرفات لكن المثير أن يعود أسم هذا الشخص إلى الواجهة كمشتبه بكونه مكن الموساد و تعاون معه في تنفيذ عملية اغتيال القيادي الفلسطيني محمود المبحوح في إحدى النزل بالإمارات.

المثير أيضا ما كشفته التحقيقات أن هذا الرجل قد كون  بفرنسا شركة وهمية لتمثل غطاء لأنشطته المريبة و علاقته بالموساد أو بالمخابرات الفرنسية وهي الشركة التي تم ذكرها في التحقيق في قضية محاولة الاغتيال التي استهدفت موكب السيد حسن نصر الله. لعله غنى عن البيان أن هذا العميل الذي بات اسمه معلوما لكثرة تداوله في كل محاولة اغتيال تستهدف شخصيات فلسطينية بالذات لم يتم إيقافه و محاسبته إلى الآن و هو يقيم بفرنسا التي تربطها اتفاقية قضائية مع تونس و هو ما يقيم الدليل على وجود ضغوط صهيونية متعددة الأشكال تمنع قيام هذه المحاكمة مما يدفع المتابعين للقول بأن وراء الأكمة ما وراءها و ما خفي كان أعظم.

كاتب و ناشط سياسي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.