تونس و (عدم) إحياء عيد الاستقلال : الذاكرة و الرمزية

مرّ يوم 20 مارس، تاريخ عيد استقلال تونس، هادئا هدوءَ يوم عطلة، وكانت الأجواء شاحبة حقًّا. قد لا يعرف ولا يدرك البعض مفهوم ذكرى هذا العيد ومضمونه، فهو عيد يرتقي عن مجرّد احتفالات وأبعد ما يكون عن مناسبة. عيد استقلال البلاد، محطة من المفروض ان يقف عندها الشعب سنويا لشحذ مشاعره تجاه وطنه ونحو كل ما يعزّز ازدهاره ويوطّد استقراره ويرفع من شأنه.

بقلم العقيد محسن بن عيسى

ترميم وتحصين الذاكرة

كبرت أجيال على الاستعداد لهذا العيد الذي كانت له نكهة، وانتظاره لتجسيد كل مشاعر الولاء للوطن. لا زلت أذكر كيف يشارك الجميع في إحياء هذه الذكرى التي وضعت البلاد في سياق تاريخي أرحب، وأزاحت صورة الاستعمار وشبح الاضمحلال.

كنا ولا زلنا في حاجة إلى أن نستذكر صور تلك الحقبة وأبرزها صور النضال على المنابر السياسية وفي جبهات القتال. صورٌ تملأ النفوس وطنيةً وتغرس فيها فضائل الصدق والإخلاص والشجاعة والتفاني في أداء الواجب.

كان عيد الاستقلال من أجمل أيام السنة، يشارك الشعب فيه بكل فئاته كأشد المؤمنين به، فقد تربّى ونشأ على ذلك، وبقيت معه لسنوات وسنوات. كانت سمة العيد الخطب الحماسية، والكلمات والشعارات التي تهدف تحفيز المواطن للنظر إلى هذا المكسب بمسؤولية. لازال الكثير يَذكُر خُطب الزعيم الحبيب بورقيبة التي تُلهب المشاعر وتُشعل الحماس وتدفع الشعب دفعًا نحو أملٍ سوف يتحقّق. ويكاد صخب السياسة أن ينسينا أسماء أخرى لزعماء ومناضلين لا يصحّ أن يُنسى فضلهم علينا، أو تُمحى آثارهم في المسار الوطني.

كل ذكرى لهذا العيد كانت مظهرًا من مظاهر إحياء الروح الوطنية، وما أضعف هذه الروح إذا حدّد عمرها بجيل واحد، فالوطنية الوطيدة الأساس هي التي تجمع بين مجد الماضي وجهاد الحاضر وأمل المستقبل.

إذكاء الروح الوطنية

نأسف أشد الأسف لتضاؤل رمزية هذا العيد تحت تأثير الفكر الايديولوجي والخط الرجعي والمد الشعبوي. هكذا تسارعت وتيرة الابتعاد عن قيم وطنية عميقة الدلالات بليغة الإشارات.

هناك حلقة مفقودة على ما يبدو لتأصيل وإحياء رمزية الاستقلال في نفوس الشعب، وهناك نوع من التقصير في تسليط الضوء على دور الزعماء وإنجازاتهم، فهم جزء من تاريخ الحركة الوطنية وعنصر من عناصر بعثها وتطورها.

وواضح طبعا، انّ تونس تحتاج إلى فكر يسطع بعيدا عن خلافاتنا، يعلو فوق نخبنا وشعاراتها الضيقة وطموحاتها الجامحة. فكر يطرق أبواب تاريخنا للاستلهام منه لمعالجة عدة قضايا لازالت في الواقع مبعثرة.

إنّ للاستقلال معنى سام ونبيل تتضاءل أمامه كل المعاني، لقد جمع كل المواطنين والطبقات والمذاهب والأفكار والاعتبارات لعقود، والأمل أن تبقى مجتمعة على هذا المعنى.

ضابط متقاعد من سلك الحرس الوطني.

                                                              

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.