تونس : في حي التضامن هناك نار تحت الرماد

يبدو أن الرئيس قيس سعيد لم ينجح في ترجمة أهداف الثورة حيث أن البطالة قد ارتفعت وملامح الأمل في تغيير الوضعية باتت مجرد سراب و لذلك لم يعد من حلّ لدى شباب حي التضامن و الأحياء المشابهة إلا الحرقة أو احتراف العنف و ممارسة تجارة المخدرات و التطاول علنا على ما تبقى من هيبة الدولة.

أحمد الحباسي

بعيدا عن كل ما يأتي على لسان الرئيس قيس سعيد من تبريرات و تصريحات فالثابت أن خروج الشباب للاحتجاج العنيف في حي التضامن هو تعبير صارخ بأن سياسات حكومات تصريف الأعمال التي عينها الرئيس منذ صعوده لرئاسة البلاد و حتى بعد مسكه بكل دواليب السلطة وعدم إنشاء المحكمة الدستورية وإقصاء الكلمة المعارضة وتهميش الأصوات القليلة التي تتجرأ على رفض سياسته هي سياسات مدمرة للاقتصاد تزيد من غلاء المعيشة و تضرب المقدرة الشرائية المتهالكة أمام دولة الاحتكار التي تديرها عصابات قوية فشلت القوات الأمنية في مواجهتها و ربما كان جزء منها يقوم بدور مشبوه للتغطية على نشاطها.

من الأكيد أن الرئيس لم ينجح في ترجمة أي من أهداف الثورة و أن البطالة قد ارتفعت وأن ملامح الأمل في تغيير الوضعية قد باتت مجرد سراب و لذلك لم يعد من حلّ لدى هؤلاء الشباب إلا الحرقة أو احتراف العنف و ممارسة تجارة المخدرات و التطاول علنا على ما تبقى من هيبة الدولة.

السياسات الفاشلة

“لا تربطني بهذه الدولة سوى  بطاقة التعريف الوطنية”، هذه هي العبارة و الجملة المتكررة على لسان أكثر أبناء حي التضامن وهذه العبارات التي تختزل كمّا  كبير من الغضب والإحباط و الانسلاخ لا يمكن لعقل عاقل أن يتفهم أسابها أو يعالجها أو يواجهها بمشاريع تنمية أو فتح آفاق ملموسة فالسلطة لا تملك من أدوات العلاج الفاعلة سوى الكلام و إطلاق الشعارات والاتهامات ظنّا منها و للأسف أن التفاف بعض المواطنين حولها و إطلاق بعض الهتافات المساندة هو  تعبير عن حالة رضى عامة وأن الأمور تحت السيطرة وأنه يكفى فقط تكرار نفس جمل الطمأنة حينا والوعيد الموجه للمجهول حينا آخر كاف وزيادة للشعور بالرضى واعتبار أن حي التضامن بما يعانيه من مشاكل أو من فقر أو إحباط أو شعور بالعزلة هو حي راض مسرور بسياسات الدولة الفاشلة.

من المحيّر فعلا أن لا ينتبه الرئيس إلى أن تعبيد الاستقرار طريق الاستقرار في حي التضامن مثلا يبدأ بنشر عناوين التنمية الحقيقية القادرة على محو ما هو عالق بعقول شباب هذا الحي بالخصوص من يأس بلغ إلى مداه و نفور من دواليب الدولة بلغ إلى أقصاه.

“ليلة رعب في حي التضامن” : هكذا  تم توصيف المواجهات العنيفة الحاصلة بين أبناء حي التضامن و بين قوات الأمن و التي أدت إلى إيقاف ما لا يقل عن 30  شابا رفضت الدائرة الجناحية  بالمحكمة الابتدائية بأريانة طلبات الإفراج عن أغلبهم وهو مؤشر واضح على أهمية و خطورة ما حصل في “ليلة الرعب” التي عاشها المواطنون في هذا الحي و التي لا تزال آثارها بادية للعيان.

بطبيعة الحال تكتفي السلطة دائما بالمعالجة الأمنية العنيفة دون سواها من الحلول و تكتفي دائما بإطلاق نفس التصريحات التي تنسب هذه الأحداث للمجهول و بطبيعة الحال تمر الأحداث بما خلفته من مزيد الإحباط إلى أن تأتي أحداث أخرى أكثر تحديا للسلطة و أكثر عنفا كنوع من  العقاب الذاتي و رغبة في التفريج عن النفس بممارسة كل أنواع الحرق و السرقة و العنف.

النار الكامنة تحت الرماد

في حي  يعتبره البعض بمساحة ولاية أصبح الفقر فيه هوية و العنف و الإرهاب شغلا و الدولة مجرد كائن هلامي غير معترف بها  لا يزال منوال التنمية بعيدا جدا و لا تزال الخطب الرسمية مجرد مسكنات و يزال هناك فى هذه الحكومة من يتجاهل أن حي التضامن حي متمرد خرج عن طاعتها أيام الكوفيد و في سنوات حكم النهضة و آخر أيام الرئيس الراحل زين العابدين بن على.

تؤكد التقارير و استطلاعات الرأي أن أغلب سكان حي التضامن لا يثقون بالدولة و لا بوعودها بل هناك منهم من يعاديها ويرفض الامتثال لسلطتها و يفضل العيش في حالة مزرية على أن يتحدث عن وجودها.

في حي التضامن تجد كل المشاعر المركبة و كل الأفكار العنيفة الخارجة عن السيطرة و كل عناوين الإحباط التي تدفع الآلاف لمغادرة البر و ركوب البحر عنادا و رغبة في  الهروب من وطن لم يعد يمثل أي شيء بالنسبة لهم و لعلّ من صدق شعارات الرئيس قيس سعيد هم أكثر المحبطين اليوم الذين فقدوا السيطرة حتى على أنفسهم فباتوا براميل و قنابل انشطارية متفجرة تستغلها الحركات المتطرفة لإشعال فتيل الفوضى.

هذا هو الواقع المرّ في حق التضامن الذي يرفض المسؤولون فهمه و استيعابه والدخول تحت سقفه لمحاولة استنباط حلول عاجلة لرتق الفتق الذهني المتصاعد الرافض للشعارات و المزايدات و التنسيب للمجهول و هذه هي النار الكامنة تحت الرماد والتي تنذر بأيام  حالكة لا يعلمها إلا الربّ.

كاتب و ناشط سياسي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.