لماذا يستمر سجن عبير موسي ؟

حقوق الإنسان ليست ترفا تهديه السلطة و تحجبه كما و وقت ما تشاء بل لنقل بمنتهى الموضوعية بأنه قد حان الوقت للسلطة في تونس بأن تراجع مواقفها جملة و تفصيلا خاصة و أنه لا يمكن التصعيد مع الهيئات الدولية الراعية لحقوق الإنسان لانعكاس ذلك سلبا على سمعة تونس في المحافل الدولية.

أحمد الحباسي *

ربما هناك من يرى أن اعتقال عبير موسي هو نتيجة إرادة سياسية لا يتورع البعض من نسبتها مباشرة و دون لفّ أو دوران إلى الرئيس قيس سعيّد كما يؤكد هؤلاء أن وزيرة العدل ليلى جفال قد أصبحت الأداة الطيّعة التي يستعملها الرئيس لتصفية خصومه السياسيين و على رأسهم طبعا عبير موسي بما يمثله حزبها من ثقل سياسي أثبتته كل استطلاعات الرأي المتعاقبة. 

في كل الأحوال  لم يعد النقاش منحصرا فقط في هذه المسألة بل تعدّاه إلى أمور أكثر خطورة تتعلق بمدى احترام السلطة القضائية و السياسية لحقوق هذه المرأة سواء على مستوى ما يثار من هيئة الدفاع عما تتعرض له داخل سجنها من سوء معاملة و رعاية طبية و منع زيارات ابنتيها أو بقية عائلتها إضافة إلى ما حفّ نقلتها الأخيرة من سجن النساء بمنوبة إلى سجن النساء بولاية نابل من ظروف و أحداث مريبة دفعت البعض إلى إعلان تخوفهم من أن تتعرض المحتجزة إلى مسّ من سلامتها البدنية بأي شكل من الأشكال. 

عبير موسي باتت تشكل هاجسا مقلقا للسلطة الحاكمة

الظاهر أن عبير موسي قد باتت تشكل هاجسا مقلقا يربك تصرفات السلطة الحاكمة و بات هناك اعتقاد بأن النظام قد فرّط في عدة فرص مواتية لرتق الفتق و الشرخ الذي أحدثه احتجازها بإطلاق سراحها حفظا لماء الوجه و تجنبا لمزيد الخسائر و النكسات.

ليس مطلوبا أن نرهق ذهن المتابع بالتطرق إلى وهن و عدم جدية الاتهامات الموجهة لرئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي و ليس مطلوبا أن نتوغل قانونيا في ما أجمع عليه فقهاء القانون مثل العميد أمين محفوظ أو المحامي عماد بن حليمة من أن استمرار اعتقالها لم يعد له أي سند قضائي بعد أن قضت العقوبة المحكوم بها عليها و انتهى مفعول بطاقتي الإيداع الصادرتين في شأنها لكن السؤال المطروح بقوة هو لماذا تصرّ وزارة العدل على انتهاك القانون و لماذا لا ينطق بعض القضاة الذين باتوا يشكلون لغزا نظرا لما ينسب إليهم من تجاوزات قانونية ترتقي إلى جريمة إنكار العدالة بإصرارهم على تمطيط إجراءات المحاكمة وعدم احترام مقومات المحاكمة العادلة  الأمر الذي اضطر هيئة الدفاع بأكملها إلى إعلان مقاطعتها للمحاكمة و قيام عبير موسي من جهتها بمطالبة عمادة المحامين بأن لا تقوم  بالتسخير المعمول به في مثل هذه القضايا.  

لقد بات من المنطق أن يطرح السؤال: هل يمكن القبول بأن رئيس الدولة الذي أقسم اليمين بأن يكون رئيسا لكل التونسيين قد أخطأ في حق عبير موسي سواء كمواطنة أو كصاحبة موقف أو رأى سياسي سلمي معارض أو كمظنون فيها يحق لها التمتع بكافة مقومات المحاكمة العادلة ؟

الإصرار على استمرار احتجاز مواطنة بدون وجه حق

  لعل هناك من يتساءل لماذا لم يقم مجلس نواب الشعب باستدعاء وزيرة العدل لمسائلتها حول دوافع الإصرار المثير للدهشة على استمرار احتجاز مواطنة بدون وجه حق و مطالبتها بالاستقالة بعد أن تبيّن خرقها و خرق  الإدارة السجنية لعدة قواعد قانونية تتعلق بالإساءة المتعمدة لحقوق السجينة سواء على مستوى رفضها زيارة ابنتي الموقوفة أو عدم تقديم الرعاية الصحية أو نقلة السجينة إلى سجن ولاية نابل في ظروف كارثية زادت من تدهور صحتها.

أيضا لماذا لم يتم مساءلة الوزيرة عن موقفها كجهة قضائية مدعوة لاحترام حقوق الإنسان و احترام المواثيق الدولية الموقعة من الدولة التونسية من عديد المواقف المنددة بوضع حقوق الإنسان في تونس و آخرها طبعا القرار الصادر عن مجموعة العمل الدولية التابع لمجلس حقوق الإنسان الأممي المختصة في مادة الاحتجاز القسري الذي اعتبر أن عبير موسي في وضع احتجاز قسري لا غبار عليه.

لماذا لم تمتثل الوزيرة كجهة قائمة بالاحتجاز القسري بالاستجابة لمطلب الهيئة الدولية بالإفراج الفوري عن عبير موسي و إطلاق سراحها و تعويضها عن جميع الأضرار اللاحقة بها نتيجة سوء تسيير الوزيرة للمرفق العمومي و انتهاك موجبات سلطتها مما يعرضها للمساءلة ؟

ربما يصر الرئيس قيس سعيد على أنه لا يتدخل في القضاء رغم أن هذا  لم يعد مقبولا لتعارضه مع الحقيقة و الواقع  و يكفى الإشارة إلى مضمون التصريح الأخير لرئيس جمعية القضاة أنس الحمايدي الذي تبنى تماما موقفا لافتا و معبرا يصف وضع القضاء بوضع غزة و هو تشبيه  صادم و غير مسبوق في تاريخ القضاء التونسي منذ الاستقلال و ربما يريد الرئيس أن يظن البعض أنه لا ناقة له و لا جمل فيما يثار حول تعرض كثير من القضاة إلى ضغوط مباشرة بعد أن صرح الرئيس صراحة أن “من يطلق سراح الموقوفين هو شريك لهم” و هو الأمر الذي يفسر بالنسبة للبعض لماذا يصر هؤلاء على عدم الإذن بإطلاق سراح عبير موسي في مخالفة  صارخة للقانون و لليمين القضائي نفسه.

لقد بات جليّا أن القضاء قد بات قضاء مترددا و غير موثوق كما بات من الواضح أن السيدة وزيرة العدل قد وقعت في مطبات كثيرة ستبقى عالقة في مسيرتها و لعل هناك من لم يقتنع لحد الآن بأن حقوق الإنسان ليست ترفا تهديه السلطة و تحجبه كما و وقت ما تشاء بل لنقل بمنتهى الموضوعية بأنه قد حان الوقت للسلطة بأن تراجع مواقفها جملة و تفصيلا خاصة و أنه لا يمكن  التصعيد مع الهيئات الدولية الراعية لحقوق الإنسان لانعكاس ذلك سلبا على سمعة تونس في المحافل الدولية.

كاتب و ناشط سياسي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.