في أمسية صيفية ساحرة على ركح مسرح سيدي الظاهر بمهرجان سوسة الدولي، أضاء الفنان والمنتج عبد الكريم الباسطي سماء المدينة بعرضه الفني الجديد “عشاق الطرب”.
بعد عرضه الصوفي “زبرجد” في صيف 2022، عاد الباسطي هذا العام ليقدم رحلة موسيقية تأخذ الجمهور إلى قلب التراث العربي والتونسي، مستحضرًا أجواء الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي.
ثلاثي الطرب يتألق
جمع العرض ثلاثة أصوات طربية تونسية بارزة: منير المهدي، منجية الصفاقسي، ومراد إبراهيم، إلى جانب نخبة من الموسيقيين المخضرمين. تناوب الفنانون بين الأداء الفردي والثنائي، مقدمين باقة متنوعة من الأغاني التي شملت أنماطًا تقليدية مثل الفوندوات، الطقطوقات، الأدوار، والموشحات. هذه الأنماط، التي تتطلب مهارة عالية بسبب تعقيد المقامات الموسيقية، أظهرت قدرات استثنائية للفنانين، مما أضفى طابعًا خاصًا على الأمسية.
و من بين الأغاني التي أطربت الجمهور:
الفنان منير المهدي : رباعيات الخيام ( ام كلثوم ) ،دار الحبايب ( الهادي القلال ) ،يا بنت المدينة( عبد المعطي بلقاسم ) ،شنية الدنيا ( الصادق ثريا _الزين الحداد) ،كي جيتينا ( محمد الجموسي ) …
الفنانة منجية الصفاقسي : ليالي الانس( اسمهان)،البحر بيضحك ليه ( سيد درويش ) ،يا هاجرة ( هناء راشد ) …
الفنان مراد ابراهيم : لما رمتنا العين،اش لولنا (شفيق جلال ) .يا ليعتي(علي الرياحي)،يا اللي حزامك ساتنيه( محمد العزبي) حوار العشاق طربي بين مراد ابراهيم و منجية الصفاقسي بباقة من اغاني علية و علي الرياحي : نظرة من عينيك تسحرني ،احترت اش نهديلك/ ما نحبش فضة و ذهب ،يا اللي ظالمني/ ظلموني حبايبي ،ما تفكرش في الاحزان/ عاللي جرى ،يا شاغلة بالي …
هذه الاختيارات عكست تنوع التراث الموسيقي العربي وربطت الحاضر بالماضي الذهبي.مما زاد الاغاني بهاء مرافقة فنانة البالي سنية الغزال المطربين في بعض الاغاني برقصات تعبيرية عن الحالة النفسية التي تتضمنها الاغاني المقدمة …
رحلة في زمن الفن الأصيل
رغم قلة عدد الحضور، كانت التجربة غامرة ومؤثرة. نجح العرض في نقل الجمهور إلى حقبة كانت فيها الموسيقى تعبيرًا عن الهوية والثقافة، حيث تمتزج الأصالة بالإبداع. اختيار الباسطي لأصوات نادرة قادرة على أداء المقامات الصعبة عزز من جودة العرض، مما جعله تجربة لا تُنسى لعشاق الفن الأصيل.
الأمسية لم تكن مجرد عرض موسيقي، بل حملت رسالة ثقافية عميقة تهدف إلى إحياء التراث الموسيقي العربي في زمن تسيطر عليه الأنماط المبسطة والإنتاج السريع. من خلال “عشاق الطرب”، قدم الباسطي رؤية فنية واضحة تتحدى التجارية الاستهلاكية، معتمدًا على محتوى “دسم” يحترم ذائقة الجمهور المهتم بالتراث.
التزام بالهوية الثقافية
في سياق يغلب عليه الإنتاج السريع والأغاني القصيرة، يبرز “عشاق الطرب” كخطوة جريئة للحفاظ على الإرث الموسيقي العربي. العرض لم يقتصر على الترفيه، بل سعى إلى تعزيز الوعي بقيمة التراث الموسيقي كجزء لا يتجزأ من الهوية الثقافية العربية. من خلال اختيارات فنية دقيقة وأداء عالي الجودة، يؤكد عبد الكريم الباسطي التزامه بإعادة إحياء الفن الأصيل، موجهًا دعوة مفتوحة للجمهور للتأمل في تراثهم الثقافي.
“عشاق الطرب” لم يكن مجرد عرض موسيقي، بل تجربة ثقافية متكاملة تحمل في طياتها شغفًا بالأصالة ورسالة للحفاظ على الهوية. من خلال هذا العرض، يثبت مهرجان سوسة الدولي دوره كمنصة لدعم الفن الراقي، ويؤكد الباسطي مكانته كفنان ومنتج يسعى لإعادة الاعتبار للتراث الموسيقي العربي.
يبقى “عشاق الطرب” شاهدًا على أن الفن الأصيل قادر على تحدي الزمن وإلهام الأجيال.
بشير حسني
صور : عبدو
شارك رأيك