مشروع قانون المالية وميزانية الدولة لسنة 2026 : تحفظات ومقترحات الخبير رضا الشكندالي

في التدوينة التالية التي نشرها على صفحته على الفيسبوك يوم الاثنين 3 نوفمبر 2025 والتي نعيد نشرها فيما يلي قدم الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي تحفظاته على مشروع قانون المالية وميزانية الدولة لسنة 2026 وقدم مقترحاته لتحسينه.

أمس الأحد 2 نوفمبر 2026، في لقاء مع بعض النواب الأفاضل وبدعوة لطيفة من رئيس حزبهم لتقديم قراءتي لمشروع قانون المالية وميزانية الدولة لسنة 2026 ومقترحاتي :

1. بيّنت أن كل التوقعات تشير الى أن الظرف الاقتصادي العالمي للسنة المقبلة في صالح تونس. فمنطقة الأورو، الشريك الأساسي لتونس، سيشهد تحسّنا في النمو الاقتصادي والأسعار العالمية للنفط ستتراجع وقد تصل الى ما دون 55 دولار بعد القرار التي اتخذته منظمة الأوبك + في أكتوبر 2025 للترفيع في سقف انتاجها. كما أن سعر القمح الليّن سيشهد تراجعا في سعره وقد يصل الى ما دون 250 دولار للطن الواحد.

2. بيّنت أن النمو الاقتصادي في تونس يتميّز بالهشاشة، فهو يعتمد على الاستهلاك الخاص، المحرّك الوحيد الذي لا يزال يشتغل، فالاستثمار الخاص كما التصدير محركان معطلان منذ عدة أشهر. فحتى الاستثمار العمومي يشتكي من ضعف الإنجاز من طرف الدولة. أما قطاعيا، فالنمو الاقتصادي مرتبط إما بالظرفية المناخية (الفلاحة) أو بالظرفية العالمية (السياحة وتحويلات التونسيين بالخارج). وبالتالي لا بد لقانون المالية أن يدعم المحرّك الذي لا يزال يشتغل وهو الاستهلاك الخاص ولا يمس بالمقدرة الشرائية للمواطن التونسي وأن يتخذ إجراءات عملية لمزيد دعم قطاعي الفلاحة والسياحة وإجراءات أخرى لصالح التونسيين بالخارخ. كما أن دفع الصادرات وتحفيز الاستثمار الخاص من الأهداف التي وجب على قانون المالية لسنة 2026 ادراجهما كأهداف رئيسية لبلوغ نسبة النمو المفترضة في هذا القانون وهي 3.3 في المائة بما تقديرات البنك الدولي تشير الى نسبة النمو للسنة القادمة هي في حدود 2.4 في المائة.

3. بيّنت أن الدولة، خلال الثمانية أشهر الأولى لسنة 2025، أظهرت ضعفا فادحا في إنجاز نفقات ميزانيتها خاصة في النفقات الاجتماعية وفي المشاريع العمومية، وهي لم تفلح إلا في تسديد ديونها الداخلية والخارجية لكن على حساب توفير ما يلزم للتونسيين من مواد أساسية ضرورية.

4. أكّدت على أن سياسة الاعتماد على الذات ما هي إلا شعار ترفعه الحكومة بدون أن تكون قادرة على إنجازه، فهي تتوجه في كل الميزانيات التي تعدّها وفي ميزانية 2026 للترفيع في الاقتراض الخارجي بدون أن تقدر على تحصيله وفي الأخير تتوجه اضطرارا الى الاقتتراض الداخلي وخاصة الى الاقتراض المباشر من البنك المركزي.

5. أوصيت أن يسقّف الاقتراض المباشر من البنك المركزي بحجم نفقات الاستثمار وأن لا يوجه، بنص قانوني، الى دعم الميزانية أي الى تمويل نفقات الاستهلاك العمومي وأن يعمل البرلمان على أن يحدث لجنة متكوّنة من 2 أعضاء من البرلمان و2 أعضاء من مجلس الأقاليم والجهات 2 أعضاء من البنك المركزي و2 أعضاء من وزارة المالية لمتابعة صرف مبلغ الاقتراض المباشر من البنك المركزي حتى يوجّه فقط الى غايات انتاجية.

6. بيّنت أن مشروع قانون المالية لسنة 2026، يعطي مفهوما خاطئا للدولة الاجتماعي، فهو يحصرها في التوظيف في القطاع العام وفي الزيادة في الأجور وفي التقليص من عجز الصناديق الاجتماعيةوالحال أن الدور الاجتماعي الصحيح للدولة يكمن في قدرتها على تحسين جودة الخدمات الاجتماعية.

7. بيّنت أن تقديم امتيازات سخية، في مشروع هذا القانون، للشركات الأهلية دون غيرها من الشركات، هو تدعيم لركائز اقتصاد الريع وهو لن يتقدّم بالاقتصاد الوطني بل سيسهم في عرقلته. كما أن خطوط التمويل المقترحة في مشروع هذا القانون ضعيفة للغاية ولن تدفع بالفاعلين الاقتصاديين للمطالبة بها، فهي لن تغني ولن تسمن من جوع.

8. بيّنت أن هذا المشروع لقانون المالية لسنة 2026 قانون جباية بامتياز بما أن الموارد الجبائية زادت ب 3.3 مليار دينار مقابل زيادة جملية ب 3 مليار دينار. هذا المشروع، هو قانون مالية محاسباتي بدون أي رؤية اقتصادية تمكّن من بلوغ نسبة النمو المفترضة، وهي 3.3 في المائة.

9. لفتت انتباه السادة النواب أن التخفيض في حجم ميزانية وزارة الصناعة والطاقة وتلمناجم لا يتماشى مع المستجدات الأخيرة في قابس والتي تتطلب الترفيع عوضا التقليص في ميزانية هذه الوزارة حتى تكون قادرة على حل مشكل المجمّع الكيميائي بقابس وكذلك تجديد أسطول السكك الحديدية لنقل الفسفاط.

10. بيّنت الزيادة في حجم الأجور ب 900 مليون دينار، في مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026، لا يمكن أن تكون فقط مخصصة للترفيع في أجور الموظفين بما أن الدولة ستنتدب 51 ألف و878 موظف وعامل جديد وأن الخوف كل الخوف أن ما تبقى من هذا المبلغ الزهيد لن يمكّن من المحافظة على القدرة الشرائية للمواطن التونسي إذ قد تتذرّع وزارة المالية في الأخير بضغط التوازنات المالية.

11. وضّحت أن كل المؤشرات تشير أن تونس تتقدّم في الاصلاحات التي يطلبها صندوق النقد الدولي، فحجم الدعم من الناتج الداخلي الخام وحجم الأجور منه يتراجع بصورة لافتة تجعل من الفاوضات مع الصندوق سهلة ويسيرة وتمكّن من الحصول على قرض بأقل تكلفة.

المقترحات العملية :

– أن يوجّه جزء من الاقتراض المباشر من البنك المركزي الى الشركة الوطنية للكهرباء والغاز لتمويل اقتناء اللاقطات الفتوفلطائية حتى تسهّل على العائلات التونسية وعلى المصانع والمعامل التونسية اقتناء هذه اللاقطات بأقل تكلفة. هذا الإجراء سيمكن العائلات التونسية من التخفيض في فاتورة الكهرباء والغاز والمصانع والمعامل من التخفيض في كلفة الطاقةوبالتالي في التخفيض في كل أسعار المواد التي تنتجها وهذا سيسهم مساهمة فعالة في التخفيض في معدلات التضخم المالي. كما يمكّن هذا المقترح من تخفيض العجز المالي للشركة الوطنية للكهرباء والغاز ومن السيطرة على العجز الطاقي وعلى العجز التجاري وبالتالي سيسهم في ارتفاع الموجودات من العملة الصعبة ومن تماسك الدينار التونسي. ونصحت بأن تبدأ الدولة في إداراتها بتركيز اللاقطات الفتوفلتائية حتى تسهم في ترشيد استهلاك الطاقة بما أنها تهتبر الأكثر إخلالا بالتزاماتها مع الشركة الوطنية للكهرباء والغاز.

– حذف الأمتياز للوزراء وكتاب الدولة ورؤساء الحكومات والولاة والنواب بخصوص الحصول على جرايات التقاعد بعد سنتين أو خمس سنوات خدمة. فكل هؤلاء لن يموتوا جوعا إذ حذفنا هذا الامتياز، إذ سيتحصلون على جراياتهم كاملة اعتمادا على مهنهم الاصلية وسيحتسب أجر الوزير أو أجر النائب أو غيره في مبلغ الجراية لكن بعد احتساب عدد سنوات الخدمة تماما كما يحتسب للمواطن التونسي البسيط والذي يقضي 35 سنة من عمره ليتحصل على جرايته. فالتوزير مسؤولية وأمانة يؤديها الوزير لخدمة وطنه وليست مكافئة يتحصل عليها مقابل ذلك. فتخيلوا عدد الوزراء وكتاب الدولة والولاة والنواب وغيرهم الذين يتمتعون بهذا الإجراء غير العادل إلا يمكن أن يسهم في افراج ولو جزئي للصناديق الاجتماعية ؟ وحتى وإن لن يسهم في ذلك فواجب العدالة أمام الجميع يقتضي ذلك.

– إن تأكّد أن الأداءات على المحروقات أرفع من حجم الدعم عليها، وهذا يحتاج الى دراسة وإثبات، فأنصح بحذف الدعم على المحروقات والترفيع مقابل ذلك موسميا عند ارتفاع الأسعار العالمية للنفط فقط، في معلوم الجولان على السيارات الأكثر من 9 خيول أو السيارات الفارهة.

– دعم الأعلاف حتى نقلّص من عزوف الفلاحين عن تربية الأغنام والبقر وحتى نجعل من هذا النشاط نشاطا مربحا للفلاح وبالتالي تتراجع بصورة واضحة أسعار اللحوم البيضاء والحمراء وكذلك أسعار البيض.

– التخفيض التدريجي في الأداء على جرايات المتقاعدين حتى يتسنى لهم التمتع بحياة أفضل فيما تبقى من عمرهم بعد عطاء سنوات طويلة في خدمة وطنهم.

– الأداء على الثروة إجراء خطير، تخلت عنه عديد البلدان بعد تجربته، فهو قد يدفع الى تفتيت أملاك التونسيين وقد يدفع البعض الى تحويل مدخراتهم من البنوك الى الاقتصاد الموازي وهذا سيسهم في مزيد تفاقم حجم هذا الاقتصاد الموازي، خاصة وأن القانون الجديد للشيكات أسهم هو الآخر في انتعاش ملحوظ لهذا القطاع بعد ارتفاع ملحوظ لحجم النقد المتداول في السوق.

– التكاليف البنكية عديدية ومتعددة والكثير منها غير قانوني. لكن كل البنوك تستفيد منها بصورة كبيرة. على السادة النواب العمل على التقليص منها وتحميل المسؤولية كاملة للبنك المركزي في مراقبة ذلك.

– دور الدولة الإجتماعي لا يتناغم مع أسعار عالية جدا للأدوية، فلا بد من العمل على تقليص هذه الأسعار بما يتماشى مع المقدرة الشرائية المتهرئة للمواطن التونسي.

– لدفع الاستثمار الخاص والنمو الاقتصادي، أنصح بتطبيق نسبة تنازلية للأداء على أرباح الشركات حسب حجم الأرباح التي تحققها المؤسسة الاقتصادية، فعندما يرتفع ربح المؤسسة تنخفض نسبة الأداء. هذا الإجراء سيدفع المؤسسات الى التصريح الحقيقي بأرباحهم فيقل التهرب الضريبي وتجني الدولة موارد حبائية إضافية.

شارك رأيك

Your email address will not be published.