لماذا نجحت قطر في استضافة كأس العالم لكرة القدم فيما فشلت دول أخرى؟ 

لم يكن في الحسبان خلال عقود خلت أن نتصور بلدا عربيا يفوز يوما بتنظيم نهائيات كأس العالم فلقد سعت إلى ذلك المملكة المغربية في أكثر من مناسبة و لكن لم تستطع الظفر بذلك و ها قد حانت الفرصة أخيرا لبلد عربي مسلم صغير من حيث المساحة و عدد السكان و لكن غني بالثروات الطبيعية خصوصا الغاز الطبيعي. و لكن الأهم من ذلك كله غني بالأحلام و الآمال و التطلعات. و حري بنا أن نعرف متى بدأ هذا الحلم الذي تحول خلال سنوات قليلة إلى واقع. و إليكم التفاصيل في هذا المقال و الذي يحاول سرد الأحداث و شرح الأسباب و الظروف التي أوصلت الدوحة إلى هذه المرحلة من تاريخ رياضة كرة القدم في العالم على مستوى استضافة حدث بحجم مونديال هو الأهم كرويا !

بقلم ياسين فرحاتي

من المهم الإشارة في البداية إلى أن إمارة قطر ليست لها تقاليد قديمة في الرياضة و خصوصا كرة القدم عدا رياضة الفروسية! و لكن منذ سنوات قليلة بدأت بجلب بعض النجوم العرب و الأجانب إلى ملاعبها و هو ما لم يؤثر إيجابيا على الأداء الجماعي أو الفردي للمنتخب القطري و هو أمر لا نهتم به كثيرا بل أكثر ما يسعدنا و يثلج صدورنا هو حسن التنظيم و قدرة البلد على استقبال تلك الحشود المؤلفة من الجماهير العاشقة للجلد المدور وفق شروطها و نواميسها و قوانينها و بعيدا عن كل تطرف و في كنف التسامح و المحبة.

و لكن من صنع أو صنعوا و يصنعون هذا الحاضر المشرف لنا جميعا كعرب و مسلمين في وجه تلك الحملة الغربية العنصرية المشوهة للإنجاز القطري و المشوشة على الشعب و القيادة القطرية و الشعوب العربية بمنتخباتها المشاركة و غير المشاركة فرحتهم في ظل واقع عربي سياسي و اقتصادي و اجتماعي و ثقافي رديء جدا، ذلك أن دولة مثل قطر استطاعت أن تمحوه و لو لحين، لتثبت بمفردها أنها استطاعت أن تقدم دروسا للعالم في قوة الإرادة و حسن الانضباط. و من واجب الدول العربية واحدة تلو الأخرى كل حسب إمكانياتها و ظروفها و على مستوى الجامعة العربية أن تراجع جيدا سياساتها الرياضية و الاتصالية و التنظيمية و مخططاتها في إطار من العقلانية و الثقة بالنفس و الحماس و الجرأة!

سياسة المراحل و التخطيط و التصميم و الأنجاز

و مثلما كتبت في مقال سابق، فإن قطر هي “هبة الغاز و النفط ثم قناة الجزيرة و ما أدراك ما قناة الجزيرة !” فلقد استثمر هذا البلد الخليجي كأحسن ما يكون في التعليم و الإعلام و بنى اقتصادا قائما على المعرفة و على الذكاء البشري و فتح الباب على مصراعيه لكل الطاقات العربية و الغربية من مختلف المشارب و التخصصات و التوجهات فكانت الدوحة قولا و فعلا أرضا خصبة للحصاد بفضل تنافس العقول و لا أبالغ أنها قد مارست في ذلك نوعا من الاحتكار بالمفهوم الاقتصادي الصرف.

و لكن تلك كانت رؤية القائد حمد بن خليفة السياسية الشاملة و التي يسير على دربها إبنه الأمير تميم : سياسة مبنية على المراحل و على التفكير و على التخطيط و على الحوار و على روح المبادرة و سرعة التنفيذ حيث البداية كانت إعلامية بتأسيس قناة الجزيرة عام 1996، المنبثقة عن تجارب عربية شتى تمثلت في كوادر إعلامية و صحفية قادمة من إذاعة “بي بي سي لندن” كجميل عازر و فيصل القاسم و الراحل سامي حداد و ليلى الشايب و آخرين. ثم كان برنامج “حوار في الرياضة” مع المذيع السوري أيمن جادة يعمل الآن في قنوات beinsports و استضافته لنجوم كبار من أمثال سكراتاس البرازيلي و رابح ماجر و عدد آخر من كبار النجوم في العالم. ثم كانت شبكة الجزيرة بمختلف قنواتها الرياضية حيث تم شراء دوري أبطال أفريقيا للأندية و لرابطة الأبطال الأوروبية و للأمم و أخيرا مقابلات كأس العالم للسنوات الأخيرة إلى جانب قنوات أخرى كبيرة و معروفة. تخلل ذلك تقديم ترشحها بملف محكم و معد إعدادا جيدا لنهائي مونديال 2022 و قد حظي طلبها بالقبول مع علامة الجودة لتكون أول بلد عربي ينظم هذه الكأس لأول مرة في التاريخ.

الرياضة شأنها شأن الموسيقى تصنع الإشعاع و الشعبية و تقرب بين الشعوب و همزة الوصل كان الإعلام و بالأحرى شبكة الجزيرة. تجربة لم تستطع أن تنسج على منوالها دول أخرى أكبر حجما و صيتا و قوة من إمارة كقطر، دويلة صغيرة لكن بأحلام و طموحات كبيرة تديرها عقول عظيمة و بقلوب مؤمنة بصيرة.

صحيح أن الفرق الوطنية العربية كقطر و تونس و السعودية لم تترشح للدور الثاني لكن المنتخب التونسي تفوق على نظيره الفرنسي بطل العالم و وقدم أداء جيدا و المنتخب السعودي أبلى البلاء الحسن و هزم المنتخب الأرجنتيني أحد المرشحين الكبار أما المنتخب القطري فهو صغير و لا خبرة له و بذلك لا لوم عليه و له شرف التنظيم و حسن الاستقبال و المشاركة. و لنا منتخب عربي آخر وهو المغرب الذي ارتقى إلى الدور الثمن النهائي و تعلق عليه آمال كبيرة بعد أن أقصى وصيف المونديال الأخير المنتخب البلجيكي. و لا ننسى طبعا ترشح منتخب أفريقي آخر إلى الدور الثاني هو منتخب السينغال و هو جدير بكل التشجيع و الإشادة.

من أهم الأمور التي جلبت أنظار العالم مشجعو المنتخب التونسي و الذين كانوا بالآلاف في أغلب مقابلات بلادهم و سرقوا الأضواء و عجت بهم ملاعب الدوحة و التي بلغ عددها ثمانية في غاية الروعة و الجمال و البهاء.

إن حصيلة ما وصلت إليه الدوحة من نهضة شاملة حتى أن البعض من أبناء أمتنا شبهها ب “سنغفورة جديدة” هو التخطيط الاستراتيجي المحكم و الذي بذلت فيه أمواله طائلة من أجل إسعاد شعبها ذي العدد القليل و لكن يصفون من عاشوا هناك بالطيب و المضياف.

تهانينا لدولة قطر قيادة و شعبا على هذا التألق و الإشعاع و مزيدا من النجاحات في باقي التظاهرات و الأحداث و على بقية الدول العربية التي حباها الله سبحانه بمزايا و خيرات أن تنسج على منوالها.

كاتب من تونس.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.