الرئيسية » خواطر حول مصطلح ” الوحدة الوطنية”

خواطر حول مصطلح ” الوحدة الوطنية”

بقلم نورة البورصالي 

إن رجوع الحكم الحالي إلى مصطلح “الوحدة الوطنية” الذي بنيت عليه دولة الاستقلال قد تجاوزه التاريخ. وهو يعبر عن التمسك بسياسة الحزب الدستوري والرجوع إلى الماضي. كما يعبر عن عجز في ابتكار أفكار جديدة ومختلفة تتماشى والأهداف التي رسمتها تحركات 17 ديسمبر 2010 و14 جانفي 2011.

.
لنتذكر ما أتت به “الوحدة الوطنية” المزعومة لبلادنا : فالسياسة البورقيبية وبعدها السياسة التي توخاها بن علي والتي تركزتا على ما سميت “الوحدة الوطنية” عمدتا على “خنق” كل صوت مختلف وحر وجعلتا مستحيلا إبراز أية قوة معارضة وإنجاز انتخابات حرة ونزيهة تمهد لتداول سلمي على السلطة .
فسياسة “الوحدة الوطنية” التي عانينا منها الكثير طبقت بقوة لكي يتسنى للحزب الدستوري الحاكم الإستلاء على الحكم وذلك باستعمال الآليات الديمقراطية مثل الانتخابات والتي لم تكن شفافة ونزيهة ولو مرة واحدة خلال أكثر من خمسين سنة .
طبقت هذه السياسة من طرف دولة الاستقلال باسم “مكافحة بقايا الاستعمار” ثم باسم “مقاومة التخلف” وغيرها من الشعارات التي ابتكرها الحزب الحاكم –الحزب الدستوري- لترويض المنظمات والأحزاب الوطنية واستعملها نظام بن علي تحت شعار “مكافحة التطرف”.
أعتبر شخصيا أن هذا المصطلح مهد لدولة بنيت على نظام سلطوي… ونحن نعيش نتيجته اليوم.
فاعتقادي الراسخ يتمثل في استحالة أي تقدم في ظل الرجوع إلى سياسات الماضي وخاصة منها تلك التي فرضت على البلاد حكما سلطويا. وتجدر الإشارة إلى أننا لم نقم إلى الحد الآن بتقييم موضوعي وحكيم لسياسة حزبي الدستوري و التجمع اللذان طغيا على البلاد لمدة 55 سنة.
فالديمقراطية لا تبنى على جبهة واحدة من شأنها محي أو نفي الاختلافات وتعميم ما يسمى ب”سياسة التوافق” و”الإجماع” والتي تتسبب في تعطيل المسار الديمقراطي الحقيقي ونتجت عنها هيمنة من نوع جديد ذو أشكال جديدة .
زد على ذلك تواجد إرادة لإجهاض “الثورة” وإرجاع الوضع تدريجيا إلى ما كان عليه… وهذا الوضع قد يكون أخطر مما كان عليه في العقود الماضية لأنه أبرز بصفة علنية قوى مافية الفساد التي تعمل من أجل الحفاظ على مصالحها في ظل ضعف هيبة الدولة وعدم تطبيق محكم للقوانين وغياب الإرادة السياسية لإصلاح الأوضاع بصفة جدية.
فضعف الدولة وكذلك الأزمة الاقتصادية التي هي عاجزة على تداركها قد يسمحان بالمس من السيادة الوطنية بفرض اختيارات وتوجهات اقتصادية التي من شانها تعفن وضع البلاد. فتونس تواجه عدة مشاكل منها هشاشة الوضع الأمني وتعثر مسار مكافحة الفساد وتمرد بعضهم على القوانين وتعميم الفوضى في فضاءاتنا العامة والوضع المزري لمؤسساتنا ولهيأتنا الدستورية وللإعلام وعدم رضا التونسيين على أداء مجلس نواب الشعب والانشقاقات الداخلية للأحزاب ومنها الحاكمة وهجرة كفأتنا إلى الخارج واللجوء في بعض الحالات إلى القوة لمواجهة تحركات اجتماعية شرعية وغلاء المعيشة الذي أنتج ضعف المقدرة الشرائية للمواطنين… فالاختيارات الاقتصادية أصبحت شيئا فشيئا أكثر ليبرالية تهدد مكاسب وطنية مثل مجانية الصحة والتعليم وتهميش القطاع العمومي وتشجيع مفرط للقطاع الخاص. كما نلفت النظر إلى التراجع التدريجي على مبدأ مدنية الدولة والمس بالحريات الفردية في ظل محاولات لأطراف دينية متطرفة تعمل من اجل فرض نظرتها على المجتمع وذلك في غياب تام للسلطة التي من واجبها الحد من مثل هذه التجاوزات الخطيرة التي يعيشها مجتمعنا.
عن أي ديمقراطية نتحدث ووضع البلاد من أسوء إلى أسوء … فالتعامل مع الديمقراطية من قبل الأحزاب الحاكمة وغيرها انحصرت في البحث عن السلطة وطرق افتكاكها مستعملة لذلك آليات الديمقراطية مثل الانتخابات. ومن جهة أخرى فان ما يسمى ب”الطبقة السياسية” ليست قادرة على إخراج البلاد من هذا المأزق… فالمصالح الذاتية والحزبية والتكالب على السلطة تغلبت على المصالح العامة.كما أن ضعف التجربة السياسية وانعدام الثقافة السياسية قد يحولان دون كل إصلاح عميق من شأنه إخراج البلاد من وضع يهدد الانتقال الديمقراطي والسيادة الوطنية.

*نورة بورصالي : أستاذة و كاتبة 

 

 

شارك رأيك

Your email address will not be published.