الرئيسية » المرزوقي: “حول الصراع الحالي بين قرطاج والقصبة.. اللهم لا شماتة”

المرزوقي: “حول الصراع الحالي بين قرطاج والقصبة.. اللهم لا شماتة”

نشر الرئيس السابق المنصف المرزوقي تدوينة على صفحته الرسمية على موقع “فايسبوك”، تطرّق فيها إلى ما وصفه بالصراع بين قرطاج والقصبة. وقد ذكّر المرزوقي بحجج بعض قيادات النهضة التي دعت لترشيح قائد السبسي بدلا عنه في الانتخابات “بحجّة التوافق بين رأسي السلطة التنفيذية ما يتطلب أن يكونا من نفس الحزب” مشيرا إلى أن النتيجة تدحض كليا صحّة هذا الرأي.

وفي ما يلي نص التدوينة:

اللهم لا شماتة ، لكن تذكروا حجة بعض قيادات النهضة في الدعوة للسبسي بدلي في انتخابات 2014 : تتطلب مصلحة النظام السياسي والبلاد التوافق بين رأسي السلطة التنفيذية وهذا يتطلب أن يكونا من نفس الحزب.

أنتم أمام النتيجة التي تدحض كليا صحة الرأي والرجلان من نفس الحزب… ونفس الطبقة ….ونفس الجهة …ونفس الايدولوجيا…ونفس العائلة… و مع هذا تراهما آخذان بخناق بعضهما البعض بكيفية لم يسبق لها مثيل يوما إبان الترويكا عندما كان رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة من تبارين سياسيين وعقائديين مختلفين ومتنافسين.

انتبه حتى لا تحجب عنك الشجرة الغابة ، فالصبغة الهزلية والتبعات المأساوية للخصومة بين قرطاج والقصبة لا يجب أن تنسينا أسبابها العميقة التي لا زالت فاعلة و تهدد على الأمد المتوسط والبعيد استقرار النظام السياسي ومن ثمة استقرار البلد ككل.

قضية الحال أي عجز أحد الطرفين عن حسم المعركة وطولها و تعفنها بما يعنيه هذا من شلل الدولة وانهيار ما تبقى لها من هيبة ومصداقية ….كل هذا مرتبط بطبيعة النظام المزدوج الذي لا يسمح لرئيس الدولة بإقالة رئيس الحكومة ولا لرئيس الحكومة أن يتصرف كما لو كان الرئيس الفعلي والوحديد للجهاز التنفيذي.

للصراحة أعترف أنني كنت من نادى بهذا النظام المزدوج وعملت على أن يدرج في الدستور رافضا توجه البعض للنظام الرئاسي والنهضة للنظام البرلماني .

كان الهاجس ولا يزال حماية التونسيين من الاستبداد أعاد عبر رئيس كما حصل في كم من دكتاتورية أو من قبل رئيس حكومة منتخبة كما حصل في ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية وإسبانيا في عهد فرانكو وحتى في الهند في عهد انديرا غاندي وكما يحصل اليوم تحت أنظارنا في بولندا والمجر. أي وسيلة أخرى -نظريا على الأقل- غير توزيع السلطة التنفيذية بأن يكون الجيش تحت سلطة رئيس الجمهورية والشرطة تحت سلطة رئيس الحكومة حتى لا يستأسد أحد؟

نعم لكن “لكل شيء إذا ما تمّ نقصان” وكل إيجابية قد تخفي في طياتها أكبر السلبيات.

ما اكتشفته سريعا بالتجربة أن هذا النظام المزدوج الذي يوزّع السلطة التنفيذية بين شخصين ، وإن يحمي حقا من الاستبداد، محمّل بهشاشة لم أقدر خطورتها إلا بممارسة السلطة وشتان بين التنظير والتجريب.

لقد تعاملت من 2011 إلى 2014 مع ثلاث رؤساء حكومة . الوحيد الذي عمل معي كشريك لا كمنافس أوغريم والذي تصرف كرجل دولة هو علي العريض.
هكذا أمكن طوال رئاسته للحكومة أن تعمل القصبة وقرطاج بتناغم مما سهّل كثيرا عمل دواليب الدولة.
والعكس بالعكس مع حمادي الجبالي رغم أنه كان ينتمي لنفس حزب على العريض ومع المهدي جمعة الذي لم يكن ينتمي لأي حزب.

درسان تفرضهما تجربة البارحة وتتابع الأزمات الحكومية في عهد السبسي اليوم .

-في ظل النظام المزدوج لا بدّ من توافق بين رأسي السلطة التنفيذية وإلا فإنه صراع لا ينتهي والضحية الدولة ومصالح الشعب.

-أن هذا الشرط الضروري غير مضمون بالانتماء لنفس الحزب والعائلة وإنما متروك للصدفة والحظ ولا يستطيع الدستور ضبط كل تفاصيله.
فإن كان الشخصان المتقاسمان للسلطة النفيذية من مستوى وعي ومسؤولية كبيرين ، تسير الأمور كما يرام ، لكن يكفي أن يكون أحدهما أو الاثنان معا أقل مما تتطلبه الوضعية لكي تتعطّل شؤون الناس والدولة ويدخل النظام السياسي إما في حالة شلل مؤقت أو في حالة خلل دائم ينتهي بأزمات منها القاتلة.

وحيث أن الشعوب لا يمكن أن تسلم مصيرها للحظ وأن ترهن مستقبلها بمستوى نضج هذا الشخص وذاك، فإنه من الضروري إعادة النظر في نظامنا السياسي لكي يضمن :
-من جهة حماية التونسيين من الاستبداد
-ومن جهة أخرى حماية الدولة من توزع وتفتت وتصارع السلطة في أعلى هرم الدولة .
مما سيمنع تكرر المهزلة التي نعيشها هذه الأيام وتجدد الخلافات العميقة التي سترها الحياء والحد الأدنى من المسؤولية في عهد الترويكا.

لست منجّما ولا أعرف متى وكيف وفي أي ظروف سيتمّ التغيير في اتجاه نظام رئاسي لا يزوغ نحو الاستبداد أو نظام برلماني لا يكون ” سوق ودلال ” لأحزاب متكالبة على فريسة السلطة وتكون فيه المسؤولية التنفيذية مجمعة ومحددة وقابلة للمحاسبة في أي وقت .

لكن ما أنا متأكد منه أن التغيير سيحصل وسنعيد كتابة بعض فصول الدستور لأن التعقل عند البشر وعند الشعوب هو التعلّم من التجارب لا تجاهلها.

بديهي أنه بقدر ما يكون هذا التغيير سريعا وسلميا لتجاوز مرحلة فرضتها علينا موازين القوى لما بعد الثورة ، بقدر ما نضمن لتونس شرطا أساسيا من شروط تواصلها وتطورها ألا وهو نظام سياسي يكون جزءا من الحلّ لا أكبر مشكل يتوج حزمة المشاكل التي نعاني منها .

شارك رأيك

Your email address will not be published.