الرئيسية » الأزمة الجزائرية وانعكاساتها المنتظرة على الإنتخابات الرئاسية القادمة في تونس

الأزمة الجزائرية وانعكاساتها المنتظرة على الإنتخابات الرئاسية القادمة في تونس

يبدو أن ما يحدث من مظاهرات حاشدة في الجزائر ضد عهدة خامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة سيكون له تأثير مباشر على وضعنا التونسي. ويمكن لنا أن نتصور أن عديد الأطراف الخارجية والداخلية ستعمل على إستغلال المثال الجزائري لتأجيج الوضع في تونس وقطع الطريق نهائيا أمام تفكير الرئيس الباجي قايد السبسي في الترشح لعهدة رئاسية ثانية سنة 2019. 

بقلم سامي بن سلامة *

بقطع النظر عن المعطى الخارجي، فإنه يمكن لنا أن نفترض أن أطرافا متعددة وذات مصالح متشابكة ومشتركة داخليا سيكون أبرزها على الأرجح الحزب الحكومي الجديد تحيا تونس وحزب حركة النهضة بصدد إنتظار حلول اللحظة المناسبة لاقتناصها والتحرك لمنع أي امكانية لحدوث ذلك.

إذ حالما يتم التأكد من قرب إعلان الرئيس الحالي لترشحه واستحالة ”التفاهم معه“ وإحياء ”عهد باريس“ من جديد، فمن المرجح أن تنطلق جميع الماكينات الإعلامية في خلق رأي عام رافض يحرك إحتجاجات شعبية ضخمة على النمط الجزائري تحاول إجباره على العدول نهائيا على الفكرة بدعوى تقدمه في السن وعدم قدرته على أداء مهام الرئاسة لخمس سنوات أخرى. ولن تنعدم الحجج في إقناع التونسيين بخطورة وعدم مسؤولية إقدامه على ذلك الفعل والأضرار المحققة التي ستسببها لتونس وشعبها وديمقراطيتها الوليدة.

هل المظاهرات في الجزائر تؤثر في قرار قايد السبسي الترشح لعهدة ثانية ؟

والواقع أن رئيس الجمهورية الحالي يعي ذلك جيدا وهو يعلم علم اليقين بأنه لا يمكنه مجرد التفكير في الترشح طالما لم يكن متأكدا من ضمان مساندة شعبية كبيرة يسترجع من خلالها 1 مليون و731 ألفا و529 ناخب صوتوا له في الدور الثاني للإنتخابات الرئاسية لسنة 2014، منهم مليون إمرأة تقريبا كما استقر في المخيال الإعلامي بدون دليل واضح أو على الأقل تمكنه من إسترجاع جزء كبير منهم.

يتابع الباجي قايد السبسي باهتمام شديد وهو أمر متوقع، تطورات الوضع بالجزائر بوصفه رئيسا للجمهورية أولا وبوصفه صديقا قديما لبوتفليقة ثانيا وبوصفه مرشحا محتملا لعهدة ثانية قد تتسب الأوضاع في الشقيقة الجارة في إثنائه عن برامجه في السعي لمواصلة إعتلاء سدة الرئاسة.

ولا يمكنه التفكير جديا في خوض المغامرة الجديدة التي يعتزم خوضها، إلا بتوفر أمرين اثنين لا ثالث لهما. أولهما، ضمان الحصول على تزكيات ما تبقى من نوّاب حزبه في اللحظة المناسبة للتمكن من الترشح. وهو ما يقتضي مواصلة سيطرته المطلقة على نداء تونس من خلال إبنه حافظ مستودع ثقته الوحيد، لكي يضمن عدم إنقلاب أي كان فيه عليه، خاصة أنه قد تذوق مرارة الخيانة مرة أولى ولا يبدو مستعدا لترك الأمر يحدث ثانية. وهو كسياسي محنك لم يكن له النيّة يوما في توريثه الحكم بل كانت خطته منذ البداية واضحة وهي التحكم في أبوابه دخولا وخروجا وقد تطرقت لها في مقال كان عنوانه ”الباجي ورؤوسه الثلاث“ يوم 4 أفريل 2016.

هل يستطيع إسترجاع ناخباته وناخبيه الذين إتهموه بالخيانة ؟

ثانيهما كما أسلفنا، إسترجاع ثقة ناخباته وناخبيه الذين إتهموه بالخيانة وبالإنقلاب على رغبتهم في إخراج حزب حركة النهضة من الحكم. وهو ما يقتضي منه إن حكمنا المنطق التحرك على مستويين إثنين. فضّ الشراكة نهائيا مع حزب الحركة واستعادة الخطاب التصادمي تجاهها في مرحلة أولى وهو ما تمّ. على أن ذلك لن يكفي، إذ عليه في مرحلة ثانية إثبات أنه بصدد تحجيم الحركة ومحاربة نفوذها وإقناع الجميع بأن ما طلبه للثقة مرة ثانية إلا لمواصلة عملية لا يجب أن تتوقف إلا بإجبارها على التزام حدودها ومنع تهديدها لتونس ونموذجها المجتمعي وليس بسبب الرغبة في رئاسة مدى الحياة.

وهنا، فإنني أعتقد جازما بأنه لن ينفعه مطلقا التركيز على مسألة المساواة في الإرث وعلى مشروع القانون الذي اقترحه في هذا الإطار. إذ أن الأمر لن يجلب له كثيرا من الناخبين ولو حتى من بين الحداثيين الذين ينظرون بعين الريبة لإقرار المشروع المذكور سابقة سيئة ومنحه تنازلات غير ضرورية للمتشددين، إذ سمح بوضع إستثناء غير مبرر لمبدأ المساواة لترضيتهم. وهم يخشون من إستغلال تلك النقطة مستقبلا من قبلهم لضرب الطابع المدني للدولة والقضاء على فكرة ”وحدة القضاء العدلي“ بفرض إستثناءات مماثلة في بقية القوانين بعد أن يسقط حاجز من أهم الحواجز الذي كان يمنعها.

ونظرا لحصيلته غير الإيجابية في الحكم حاليا وأخطائه الإستراتيجية الكبيرة رغم بعض المظاهر الإيجابية لحكمه الذي قطع والحق يقال مع فوضوية المرحلة السابقة، فإنه وعلى ما يبدو لم يتبق لقايد السبسي إلى يوم إعلان ترشحه هامش مناورة كبير.

ما مصير ملف ”الجهاز السري“ بين أدراج مجلس الأمن القومي ؟

ولم يتبق له سوى ملف واحد كبير يمكنه الإشتغال عليه وإستغلاله ومن خلاله محاولة إقناع ناخبيه السابقين بمنحه ثقتهم من جديد. وهذا الملف هو ملف ”الجهاز السري“ لحركة النهضة الذي أحاله منذ مدة على أنظار مجلس الأمن القومي بدون أن تعلم نتائج تدخله فيه إلى يومنا هذا. إذ أنه الملف الوحيد الذي قد يمكنه من استرجاع المبادرة والمناورة ومن تقديم نفسه من جديد كحام حقيقي للدولة ولوجودها من خطر اختراقها والتمكن منها للانقلاب على مدنيتها باستعمال الديمقراطية وسياسات التسرب التدريجي في مفاصلها استعداد لليوم الموعود.

طالما لم يضع ذلك الملف على جدول أعماله وطالما لم يتبين للجميع أنه يعمل جاهدا للوصول إلى نتائج تثبت أو تنفي خطورة التهديدات التي تتعرض لها الدولة، فلن يستطيع الرئيس التونسي الثالث لما بعد الثورة قلب المعطيات الانتخابية في صالحه.

إكراهات كبيرة خارجية وداخلية ومخاطر شديدة وربما اضطرابات قد تكون عنيفة ستعطل تقدم مجلس الأمن القومي في الملف، يعيها السيد قايد السبسي جيدا وتجعله يتعامل معها بهدوء بسبب خبرته وطبعه الحذر. وهي إن فاقت طاقته على المواجهة قد تجبره على التراجع واختيار السلامة وإنهاء العهدة والذهاب إلى تقاعد مستحق عوض المخاطرة بمواجهة معضلة لا يعلم أحد ما سينبثق عنها ولا طبيعة انعكاساتها على أمن البلد واستقراره.

ولكنه يعلم كذلك، بأن إتاحة الفرصة للتونسيين للبدء في كشف الحقيقة كاملة عن ذلك الملف الساخن بفضل تدخله ستكون لها تأثيرات لا محدودة على إسترجاع جزء من ناخبيه وعلى مستقبله السياسي وعلى مستقبل مسار الإنتقالي الديمقراطي. سيشعر عديد التونسيين عندها بأنه خدم تونس وبأنه ربما يشكل ضمانة أساسية لتواصل المسار الانتقالي ونجاحه وبأنه بدون وجوده قد لا يمكن تجاوز هذه المرحلة الانتقالية الدقيقة والحساسة ورفع الخطر المسلط على رقاب التونسيين وأمنهم ومستقبلهم.

يعي حزب حركة النهضة المستهدف الأساسي بذلك الملف الخطير ذلك جيدا وهو يحاول إلى حدّ الآن أثناء حليفه السابق بجميع الطرق عن سلك ذلك الإتجاه بطريقة ودية مع الإمعان في نفس الوقت في عملية الضرب المبرح لحزبه ومواصلة تفتيته واضعافه وتقوية غريمه الجديد تحيا تونس ولم يمرّ بعد إلى مرحلة محاربته علنا.

كما يعي بقية غرمائه خطورة الورقة التي بين يدي الرئيس وهو في نهاية عهدته الأولى وتأثيراتها المحتملة على الوضع السياسي عموما وعلى الانتخابات المقبلة خصوصا. لذلك فإنهم يتقاسمون نفس مخاوف حزب الحركة ويعملون جاهدين صلب مجلس الأمن القومي على عدم المضي قدما في فتح الملف وعلى تعطيل أعماله.

ومن المتوقع إن تأكدوا من خروج الأمور عن السيطرة وعلى عدم قدرتهم على منع غريمهم من استثماره سياسيا، أن يبادروا إلى توجيه ضربة إستباقية حاسمة تمنعه من التقدم فيه أكثر وتضعفه إلى درجة تمنعه من التفكير حتى في الحديث عنه ولو تطلب الأمر المرور إلى السرعة القصوى بالاستعانة بالرياح الجزائرية ولما لا الوصول عندها إلى الحرب الشاملة و إعلان شغور منصب رئيس الجمهورية.

* عضو الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات.   

مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس : 

أين القوى السياسية من إنتخابات 2019 : سيناريوهات الفشل المؤكد والنجاح الممكن

عبير موسي… ظاهرة صوتية أم ظاهرة انتخابية ؟

الإنتخابات الرئاسية 2019: دور ثان محتمل بين المنصف المرزوقي و عبير موسي…

 

 

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.