الرئيسية » المنعرج الحاسم في ملف “جربة الولاية رقم 25”

المنعرج الحاسم في ملف “جربة الولاية رقم 25”

تحول موضوع “جربة ولاية” الى قضية راي عام وخرج من الجزيرة ليطرح على مستوى وطني في وسائل الاعلام واعمدة الصحف، ويتجاوز بذلك البعد المحلي ويستقطب اهتمام اهم مركز قرار سياسي في تونس وهو رئاسة الحكومة التي ستستقبل تنسيقية جربة ولاية في غضون الأسبوع القادم.

بقلم الأستاذ مراد بن جلول *

للتذكير بالمسار الذي عرفه هذا الملف نشير، وان الانطلاقة الفعلية كانت مع تأسيس حراك شبابي على شبكة التواصل الاجتماعي يدعو لبعث ولاية جربة بسبب تراكم المشاكل البيئية والاجتماعية بالخصوص وسوء إدارة الأزمات التي نتجت عنها، مما ولد احتقانا اجتماعيا هائلا كان السبب الرئيسي في التفاف متساكني الجزيرة حول هذا الحراك التلقائي.

وبعد نضج الموضوع، دخلت أطراف اجتماعية فاعلة وهي أساسا المنظمات الوطنية والمجالس البلدية التي تبنت الموضوع. وبالتعاون مع عديد الفاعلين المحليين وبعض الوجوه المجتمعية تم تكوين تنسيقية أسندت لها مهام إدارة هذا الملف والترويج له على المستوى الوطني. وفي هذه المرحلة، لم تتدخل الأطراف السياسية في الموضوع بما جعله بعيدا عن التجاذبات.

المطلب القديم الجديد لأهالي جربة

وأخيرا، وبعد أن لقي هذا الطلب مساندة شعبية واسعة على مستوى الجزيرة (خاصة إثر الاحتجاجات الشعبية لشهر مارس 2021 والتلويح بالإضراب العام)، ساندت الأحزاب السياسية الكبرى بالجزيرة هذا الطلب وأصدرت 5 منها على الأقل بيانات دعم (حركة الشعب – التيار الديمقراطي – حركة النهضة – الحزب الدستوري الحر…) إضافة الى لبيانات مساندة صدرت عن المجالس البلدية الثلاثة جددت فيها مساندتها للمطلب.    

ونذكر هنا أن هذا المطلب القديم الجديد لأهالي جربة اكتسى مشروعيته من التاريخ (جربة كانت ولاية خلال فترة البايات والحقبة الاستعمارية) والجغرافيا (بسبب طابع العزلة الجغرافية للجزيرة وصعوبة التنقل لمدينة مدنين) ويستند على المبادئ الذي جاء بها دستور 2014 و أساسا مبدا الإنصاف (الذي يقتضي تقريب الخدمات للسكان بحكم البعد الجغرافي عن مركز الولاية ب 90 كلم) والديمقراطية التشاركية التي أعطت للمواطنين الحق في التنظيم والتعبير خارج الأطر التقليدية المتمثلة في الأحزاب والمنظمات. 

إن الرغبة الملحة لأهالي جربة في الدفاع عن المطلب وتواصل هذا المسار وعدم انقطاعه يؤكدان أن الموضوع جدي وعميق لأنه يمس من حياة المواطنين في الصميم ولا يشكل ردة فعل ظرفية كما راهن على ذلك عديد الأطراف سواء على المستوى الجهوي او الوطني بدعوى ان “الجرابة ” مسالمون. كما أن الموضوع بلغ مرحلة اللاعودة خاصة و أن رئيس الحكومة التزم رسميا باستقبال وفد التنسيقية والدخول في مفاوضات جدية لاقتراح حلول.

الحكومة واعية بأحقية جربة في الارتقاء الى رتبة ولاية

وفي تقديري ليس للحكومة هامشا كبيرا للمناورة لأنها ازاء طلب منبثق عن إرادة شعبية صادقة والوفد المفاوض يجد مساندة مطلقة من المجتمع الجربي و أعتقد ان الحكومة واعية بمشروعية المطلب وبأحقية جربة في الارتقاء الى رتبة ولاية وان التفاوض لا يجب ان ينزلق الى بعض الاقتراحات كتمكين الجزيرة من بعض الخدمات الحياتية باعتبار وان الهدف الرئيسي من احداث الولاية تنموي في علاقة بمستقبل جربة، الواجهة السياحية بامتياز للبلاد التونسية التي تستقبل ملايين السياح سنويا.

في نظري ان جزيرة جربة لن تنمو ولن تتجاوز كل المشاكل المتعلقة اساسا بالبيئة وبالنقص الحاد في بعض التجهيزات الضرورة لحياة السكان التي عجزت السلط الجهوية إلى حد الان على إيجاد حلول لها إلا إحداث ولاية ومجلس جهوي الذين سيكونان إطارا مؤسساتيا يتم في صلبه التعامل مع الجزيرة كوحدة ترابية بما يرسم استراتيجية دقيقة للنهوض بها وتنميتها وتجاوز كل العوائق التي تحول دون تطورها.

أرى ان التقسيم الحالي للجزيرة إلى 3 معتمديات و3 بلديات هو السبب الرئيسي في الإشكاليات التي تعيشها جربة بسبب غياب هيكل تنسيقي على مستوى الجزيرة يتعامل مع جربة كوحدة ترابية تتكامل داخلها هذه المكونات. فالتقسيم الحالي لجربة لا يخدم خصوصية الجزيرة التي تعتبر وحدة جغرافية واقتصادية وخاصة بيئية بحكم ثراء مجالها وتنوعه.

إن احداث الولاية وتعيين وال ممثل للسلطة المركزية على الجزيرة سيعطي جربة قيادة موحدة تنسق بين كل المتدخلين في المجالات الاقتصادية والبيئية وغيرها. كما أن إحداث مجلس جهوي سيعوض الفراغ الذي يوجد اليوم على مستوى برامج التنمية في إطار مخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية مما سيمكن تجاوز التعامل معها كثلاث معتمديات منفصلة عن بعضها البعض.

بالإضافة إلى ذلك فان وجود جربة على بعد 90 كلم من مدينة مدنين وبحجم سكاني يتجاوز 170 ألف ساكن يجعل المطلب أمرا مؤكدا ومستعجلا بغض النظر عن مسألة الأزمة المالية التي تعيشها البلاد لأن تفعيل القرار يمكن أن يتم على مراحل وحسب جدول زمني مضبوط كما أن وجود عديد المقرات والتجهيزات العمومية التابعة لعدة وزارات بالجزيرة سيقلص من كلفة هذا الإنجاز.

أخيرا من يطرح فكرة إحداث الحل السحري “مجلس جزيري” وهو المقترح الذي يمكن أن تقبل به الحكومة يتغافل على مسالتين أساسيتين هما:

أولا، هذا الجهاز التنفيذي هو الية حوكمة وتخطيط وهو هيكل لامركزي وبالتالي سيكون بدون موارد مالية هامة ولن يكون له هامشا كبيرا للتحرك والفعل لأن المشكل في تونس اليوم مرتبط بمحدودية الموارد المالية الذي تعاني منه البلديات وخاصة الجديدة منها التي بقيت عاجزة عن تحسين ظروف عيش متساكنيها. وبالتالي فان إحداث مجلس جزيري لن يغير شيئا من واقع الناس بل بالعكس سيزيد من عزلة الجزيرة، وفي هذه الحالة لن تكون الدولة مطالبة بتركيز خدمات أو تجهيزات جديدة لأن ذلك لن يتسنى الا بإحداث ولاية في الجزيرة.

 ثانيا، إن تركيز مجلس جزيري سيخدم مصلحة طرف سياسي بعينه وهو ما يفسر تحمس العديد في اقتراح هذا الحل رغم علمهم أنه لن يغير الكثير في الواقع الحياتي للمواطنين. 

وتبقى الآمال معلقة على اجتماع رئاسة الحكومة الذي سيحدد مصير هذا الملف.

* أستاذ محاضر بجامعة تونس.

شارك رأيك

Your email address will not be published.