الرئيسية » حتى لا تعود بطانة السوء إلى حكم تونس…

حتى لا تعود بطانة السوء إلى حكم تونس…

مصطفي بن اسماعيل نموذج الوزير الفاسد في تاريخ تونس.

أشخاص كثيرون وصلوا إلى في قلب السياسة والدولة في تونس اليوم وهم لا يستحقون ذلك بحكم تكوينهم و طبيعتهم و طموحاتهم و أطماعهم. وهم ما يزالون يتهافتون على السلطة اليوم و في طياتهم بدائية ووحشية اكتسبوها من تجربتهم ومسيرتهم الغامضة. يجب العمل على منع هذه البطانة الفاسدة من طينة مصطفي بن اسماعيل السيء الذكر من الوصول إلى السلطة.

بقلم العقيد محسن بن عيسى *

لا شك أنّ نمط حياتنا في تونس تجتاحه اليوم قوى المنفعة والعنف. لقد أصبحنا نشاهد تزايد الولاءات لمسميات متعددة على حساب الولاء للوطن، وتراجعا لمفهوم المواطنة لأن الدولة والنظام لم يبقيا حاضرين لدى الفرد ليس على مستوى الأمن وإنما بمعنى الملجأ الذي يُلبّي الطموحات ويستجيب للرغبات. هناك حالة إخفاق سياسية وبروز مجتمع لا وازع فيه ولا موانع له.

السلطة متعددة الرئاسة

أكّدت المداهمات الأخيرة لأوكار الاحتكار والإيقافات وكميات المحجوز ونوعيتها وحجم المبالغ المالية عُملة صعبة وتونسية و أسماء الشخصيات المشتبه بها، أنّ فساد القيم يكاد أن يُصبح من الأمور العادية لدينا.

والسؤال المطروح لماذا هذا السقوط والى هذه الدرجة؟ لماذا كل هذا الفساد والخداع وتبديد الثروات وتدنّي سلوك الفرد والجماعة والدولة؟

لعل الإجابة تكمن في توافر قوى متنافسة في المجتمع ساعدت على إضعاف الحكومات والسلطة السياسية المحتكرة للقوة، أو أنّ الإصلاح في الدولة كما في المجتمع يتطلّب وجود مُصلحين، وهذا ما نفتقده، أو أنّ ممارسة حكم الشعب بالشعب ومن الشعب يقتضي محاسبة الناخب للنائب، والنائب للحكومة في البرلمان، والحكومة للإدارة عبر آليات الرقابة والتفتيش… وهنا ما فشلنا في تطبيقه.

لقد أثبت التاريخ انهيار امبراطوريات وليس دولة صغيرة بسبب تفشي السرقة والفساد وتجاوز القوانين والتساهل تجاه مثل هذه الظواهر. ومن المعلوم أنّ نجاح أو فساد المشهد السياسي والجهاز الإداري والمالي يعود أساسا إلى طبيعة نظام اختيار الوزراء والمسؤولين والطبقة السياسية. لا أريد الوقوف عند الأسماء المتداولة والتي أصبحت حديث الرأي العام وبعضها محل تتّبعات، ولكن سأقف عند أبرز المحطات التاريخية لدينا حول هذا الموضوع في نظري.

إذا استعدنا إلى الذهن المشهد السياسي في تونس قبل دولة الاستقلال يذهلنا أوجه التطابق بين واقع العشرية المنقضية مع البيروقراطية العتيقة والتي مارست سياسة “المنح” او “المنع” على هواها وأباحت ما لا يجوز ومنعت بتعسّف وبوضع العراقيل ما لا يتماشى ومصلحتها.

لقد ساد في ذلك الوقت ما سُمّي ب”أفضلية أهل الثقة على أهل الخبرة”، وهو شعار يتّفق تماما مع التضحية بالوسيلة في سبيل الغاية المنشودة. ومن بين المقوّمات المُضحّى بها ليس فقط القيادة المستنيرة، بل أيضا الاعتماد على النوع الأفضل من المسؤولين الذين قد يكونون أقرب حقّا، وأكثر خبرة، ولكنهم لا يحوزون القدر الكافي من “الثقة” أي لا يمكن الاطمئنان إليهم كل الاطمئنان لتحقيق أهداف النظام“.

قفزات في السياسة والحكم

لقد حفظ لنا التاريخ أمثلة عن كيفية ترشيح رجال الدولة وعن الفساد الناجم عن اختيار الوزراء وكبار رجال السلطة بشكل اعتباطي ومزاجي. لقد لفت نظري نص ورد في كتاب مرجعي تونسي يقدم تعريف وسيرة مصطفى بن إسماعيل المكنى بـ “أبي النخبة”، و الذي يعكس بصفة صادقة ما أصاب السياسة والأخلاق من جدب في ذلك التاريخ.

“… هذه الشخصية الغريبة عكست بشكل جلي مرحلة متوترة من تاريخ تونس. من طفل متسكّع في أزقة مدينة تونس ويلتقط أعقاب السجائر في المقاهي الأوروبية، عمل مصطفى بن إسماعيل بحانة مالطية، ثم بدكان حلاق يقع بسوق البلاط. ومع التحاقه لخدمة أحد ضباط حرس باي لاحظه الصادق باي وطلبه لخدمته وتعلّق به. وانطلاقا من ذلك تدرج في المسؤولية من أمين المخازن، إلى قايد الوطن القبلي، فوزير البحرية ثم وزير الداخلية. وأصابت تونس نكسة تخلي خير الدين باشا من منصبه ليتولى بن إسماعيل منصب وزير أكبر في 24 أوت 1878 في سن 25 سنة.

ورغم دناءة طبعه حافظ الوزير الفاسد على هذه الوظيفة إلى حدود 12 سبتمبر 1881. لقد كان هذا التعيين بمثابة الصدمة للرأي العام لما عرف به هذا الأخير من انحطاط أخلاقي وتكالب على السلطة والنفوذ. ولعل من الأسباب التي عجلت بسقوط تونس فريسة سهلة بين يدي فرنسا وجوده في الوزارة حيث باع الملة والوطن وخسر مكانته في المجتمع. ومع إقامة نظام الحماية ووفاة الصادق باي سنة 1882 توقفت مسيرته وغادر البلاد ليتوفي بإسطنبول سنة 1887 وهو في حالة خصاصة”، منبوذا ومجهولا”.

من غير المنطقي تجاهل الصدفة في حياتنا، فكم من مصادفة غيرت مجرى حياة إنسان وجعلته في قلب السياسة والدولة وهو لا يستحق ذلك. وجوه قريبة من هذا “الصنف” تتهافت على السلطة اليوم في تونس و في طياتها بدائية ووحشية اكتسبوها من تجربتهم ومسيرتهم الغامضة.

ليست الحياة السياسية كالخط المستقيم الذي يسير فيه السياسي على نهج واحد لا يحيد عنه، بل تلاحقه اختيارات شتى وخطوط كثيرة متقاطعة، قد تعود به إلى الخط المستقيم لو أراد، وقد تبعده وتجعله في أسفل السافلين إن أراد أيضا.

*ضابط سابق في سلك الحرس الوطني.

شارك رأيك

Your email address will not be published.