سليكة جوّاد تونسية بنبض عالمي آخر…

سليكة جوّاد (Suleika Jaouad) تونسية بحجم الوطن، كاتبة بوزن القُرّاء و الترجمات، صُحفية بقيمة “النيويورك تايمز”، مناضلة أكبر من المرض و اللوكيميا، رسّامة تهرب بالريشة لتقول إنّني تونسية و مسقط رأسي هو بداية الجمال وتجدّد  رُقعة السّماء. ذَهبت في العالم بعيدا لكنّها تظلّ غريبة في هذا القُطر الصغير. (الصورة : سليكة جواد مع زوجها الفنان جون باتيست.)

بقلم ميلاد خالدي *

يمكننا أن نتّفق أنّ الضوء يساوي المعرفة و كلّ شيء يُسلّط عليه الضوء يقترب منّا أكثر ثمّ ندرك ماهيته ليصبح في النهاية جزءا منّا، نألفه و لِما لا نتماهى معه و لا أدلّ على ذلك صورة أنس جابر و هي تتألّق عالميا لأنّه وقع تعريض موهبتها للضوء و من لا ضوء له لا هويّة له على الأقّل في إعلامنا المحلّي. و العكس بالعكس، سليكة جوّاد تونسية أخرى بحجم الوطن، كاتبة بوزن القُرّاء و الترجمات، صُحفية بقيمة النيويورك تايمز ، مناضلة أكبر من المرض و اللوكيميا، رسّامة تهرب بالريشة لتقول إنّني تونسية و مسقط رأسي هو بداية الجمال وتجدّد  رُقعة السّماء. ذَهبت في العالم بعيدا لكنّها تظلّ غريبة في هذا القُطر الصغير.

بين مملكتين و عالمين

سليكة جوّاد أمريكية الجنسية، من مواليد  1988، تنحدر من أصول تونسية من جهة الأب، مختصّة في الدراسات الشرقية و الجندرية من جامعة برنستون. أرادت السفر إلى فرنسا لتصبح مراسلة حرب لكن شاءت الأقدار أن تعيش أضغاث الحرب مع مرض سرطان الدمّ منذ  2012 لتنتصرعليه في المرحلة الأولى ثم يعود إليها بقوّة هذه السنة. تجربتها المرضية المريرة ألهمتها أن تكتب عمودا في صحيفة “النيويورك التايمز” بصفة دورية عارضة يومياتها في المحنة، لتنتهي بتأليف كتاب في الغرض بعنوان “بين مملكتين: مُذكّرة حياة متوقّفة”.

تقول سليكة جوّاد: “التعافي ليس بالأمر الهيّن اللطيف”، إنّه مرحلة العٌبور من الأرض إلى السّماء، انّه خيار القوّة على الضعف.”

لقد وجدت هذه المرأة في الكتابة كما في الرسم ملج رائع يُخرجها من الدوائر السُفلية  ويحرّرها من  وزر اللحظة. إنّه طوق النجاة التي ترنو إليه، النجاة حين يكون ممتّدا بين عالمين، بين مملكتين، مملكة الألم و مملكة الأمل، مملكة الأمس و اليوم، مملكة النجاد و النهاد. مملكتان تنسكبان في لوحات فنيّة، تؤثران معنى الأفق المنبثق من اللاشيء،  إنّه الانعتاق الصاعد الصانع للطريق، إنّه استحقاق الاشتغال على مكامن القوّة في الجسد والذات.

محليّات لكن بعالمية واحدة…

الإرث العربي المشرقي للكاتبة سليكة جوّاد و تعدّد البيئات الثقافية كان لهم الأرضية الجادّة لصقل شخصيتها و مناصرتها. مناصرتها للسجين الأمريكي من أصول إفريقية كوينتن جونس و حملتها الإعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل كسب تأييد شعبي وتعويض عقوبة الإعدام لديه بالسجن مدى الحياة. هي رسالة عمودية و أفقية في نفس الوقت محتواها أنّ الحياة تكريس مُقدّس و كلّ منّا له الحقّ في طريقة تكريسها. ربّما نفشل في استمالة الجهات الرسمية لتغيير ما يجب تغييره لكن الموقف الأصل يبقى في مدى امتداده و تشرُّبه.

المحليّة هي أن تكون سليل المسافات و الثقافات و تحتكم في الفنّ كي يوصلك إلى النجومية، وأن تبحث عن شريك بقدر الاختلاف لديه بقدر عمقه و تنوّعه. جون باتيست هو ذلك الرفيق في الدرب و الوجع، يتقاسم مع سليكة سُمك تفاصيل الموسيقى و الإمكانات الأخرى للوجود لا سيّما حينما يكون الموت و الفقد أقرب إلى خطّ التّماس المُحدّد لبقائنا.

المحليّة محليّات و البصمة بصمات، لكنّ الكونية واحدة غير مُنحازة أو عنصرية، متماهية مع مدن تونسية أو أمريكية أو سويسرية أو حتى انسفضائية (إنسانية فضائية) تكون فيها الفوارق الأرضية مُسلّمات لا طائل منها.

لقد أثبتت لغة العصر أنّ الفنّ و الكتابة كيانان يعتملان داخل كلّ ثقافة، وأنّ كلّ مثقّف عليه أن يُضفي بعده الانساني الخاصّ به كي يتسنّى الحديث عن مُثاقفة جادّة و مستمرّة. لئن نجحت سليكة جوّاد في ربط الصلة بين الثقافي المُتعدّد والإنساني الواحد حتى يباغتنا الشعور أنّ  الكثيرسيتغيّر.

* كاتب. 

شارك رأيك

Your email address will not be published.