تونس : صراع الشيخين قيس سعيد و راشد الغنوشي يصل إلى وضع متعفن يصعب التنبؤ بنتائجه

لقد أوصل الرئيس قيس سعيد و مرشد الإخوان راشد الغنوشى البلاد التونسية إلى حالة غير مسبوقة من الانقسام و إلى حالة عداء منهجية  شخصية أشاعت أجواء سياسية متعفنة بين الطرفين و لأنه لا أحد منهما مستعد للتنازل أو القبول بالحلول الوسطى فهناك من يقول أن الطرفين المتصارعين قد قضيا على تلك المكتسبات القليلة للثورة…

 بقلم أحمد الحباسي

“وحلت المنجل في القلّة”،  أكثرنا يعرف هذه المقولة و أكثرنا يعلم أن القصد منها أن الأمور قد وصلت إلى زاوية حادة و يصعب التنبؤ بنتائجها، لذلك يمكن القول أن عناد الرئيس قيس سعيد و إصراره على التفرد بالرأي و العمل بالمقولة الشائعة الأخرى “معيز و لو طاروا” و وصف من يعارضونه بالخونة أو بالفاسدين هكذا “شيلة بيلة” و دون تمييز قد أدى إلى تقسيم الشعب بين مؤيد و معارض، بين قلة من المرضي عليهم و كثرة من المغضوب عليهم، بين أغلبية فاسدة و قلة صالحة.

هذا التقسيم العمودي و الأفقي قد طال الجميع و باتت الساحة السياسية حلبة مصارعة حرّة غير متقيدة لا بقوانين و لا بضوابط و لا بأخلاق و بات من  الجائز أن نتهم السيد الرئيس بكونه طرفا من الأطراف التي سعت إلى ترذيل الحياة السياسية سواء بإلقاء التهم جزافا أو  باختلاق معارك وهمية أو بالغدر بكل من وضع فيه ثقته مثل العميد الصادق بلعيد و الأستاذ أمين محفوظ.

الفاشلون والموتورون و رواد السفارات و دكاكين المخابرات

على الجانب الآخر أو على الضفة السياسية المقابلة  يصرّ شيخ و مرشد حركة النهضة راشد الغنوشى على تمطيط الصراع المحموم بينه و بين ساكن قرطاج الذي باتت تنقلاته و جولاته تعد على أصابع اليد منذ انقلاب ليلة 25 جويلية 2021 بل تضاعفت الحراسة الأمنية حوله أكثر من العادة بعد أن سوّق بعض أولاد الحلال أنه معرض للاغتيال و أن شيخ الإخوان لن يرتاح قبل أن يلاقى الرئيس نفس مصيرالشهيدين شكري بلعيد و محمد البراهمى.  

لعل من أغرب الأسئلة التي يطرحها البعض هو كيف استطاع شيخ الإخوان أن يجمع حوله كل هؤلاء الفاشلين والموتورين و رواد السفارات و دكاكين المخابرات و الذين تفتق ذهن أحد الظرفاء بتسميتهم بجبهة الخلاص أو بمواطنين ضد الانقلاب مع أنهم قد اشتهروا بالانقلاب على مواقفهم ألف مرة في اليوم و لكم في الأستاذ نجيب الشابي عيّنة صارخة لا تحتاج إلى  بيان.

بطبيعة الحال صدّق الأستاذ الشابي أنه زعيم و يملك جينات الزعماء و بات يتنقل  بين وسائل الإعلام مبشرا بقرب سقوط “النظام” و قيادته لحكومة بديلة ستعيد لتونس المنكوبة نظارتها المفقودة  بعد عشرية حالكة السواد جندت فيها حركة النهضة كل أبنائها و من والاهم لتخريبها و إنهاكها و تركها مفلسة على قارعة طريق صندوق النقد الدولي. 

لم يفهم  الرجل رغم كل البراهين و الأدلة و الشهود أن القضية خاسرة و أن خرافة الثورة و شعاراتها قد اندثرت و لم تعد تجذب حتى هؤلاء “المزطولين” الذين ينامون تحت قنطرة “السيدة”.

لم يدرك متصابي السياسة الأستاذ نجيب الشابي أن الثورة قد سقطت حين ركبتها قيادة حركة النهضة لتجعل منها “سبّوبة” امتصت بفضلها خزائن الدولة في تعويضات خيالية و حين استغل الرئيس قيس سعيد الفرصة ليستخدم المادة 80 من الدستور ليصنع منه جبّة على المقاس تضعه في مرتبة الفرعون الذي لا يردّ له أمر أو فرمان.  

من ينقذ تونس من براثن مجموعة من الفشلة ؟

لم يتفهم الرجل أن التوقيت فى السياسة مهم و أن خروجه فى هذه اللحظة بعد سلسلة فشله السياسي هو خروج خاطئ وأن اللحظة لا تحتاج إلى كهل فاشل لم يستفد من أخطائه بل إلى شخص وطني غيور لا يبغى إلا إنقاذ تونس من براثن مجموعة من الفشلة.

لقد أوصل الرئيس قيس سعيد و مرشد الإخوان راشد الغنوشى البلاد إلى حالة غير مسبوقة من الانقسام و إلى حالة عداء منهجية  شخصية أشاعت أجواء سياسية متعفنة بين الطرفين و لأنه لا أحد منهما مستعد للتنازل أو القبول بالحلول الوسطى فهناك من يقول أن الطرفين المتصارعين قد قضيا على تلك المكتسبات القليلة للثورة و من بينها حرية الإعلام بعد أن تحولت كثير من وسائل الإعلام إلى أبواق مدفوعة الأجر كما جاء بتصريحات الوزير السابق في حكومة  السيد الياس الفخفاخ السيد محمد عبّو و هناك من يقول أن الرئيس يقود حملة تنظيف ضد منظومات الفساد و المفسدين التي أنهكت الدولة طيلة عشرية كاملة شهدت خرابا و تخريبا لم يعد من الممكن السكوت عليه.

لعل الثابت من التجربة و من حسن قراءة المشهد أن الرئيس ربّما خلّص البلاد من حكم الإسلام السياسي لكن بالمقابل فان وعوده الخيالية بالقضاء على الفساد و تطهير البلاد من الفاسدين و محاسبتهم ستبقى مجرد وعود وهمية لأن الفساد في تونس قد تحول إلى ثقافة من الصعب أن  تنقلب من النقيض إلى النقيض مهما كانت الظروف و الضغوط.

كاتب و ناشط سياسي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.