لماذا عجز الرئيس قيس سعيد عن حلّ مشكلة المربين ؟

إذا لم يقع حلحلة الوضع المشحون في المدارس العمومية في الساعات القادمة فان هناك دعوات عصيان لإيقاف الدروس بجميع المؤسسات التعليمية لضمان مبدأ تكافؤ الفرص بين التلاميذ الذين نالوا بعض الحصص و غيرهم من الذين لم  يتلقوا أي درس حتى الآن و تسوية  مظلمة المربين المناوبين.

 بقلم أحمد الحباسي

بالممارسة و دون محاولة الصيد في الماء العكر يجمع كل المتابعين أن السيدة نجلاء بودن لا تملك أية صلاحيات بما فيها تعيين الموظفين المساعدين الذين تحتاجهم لأداء وظيفتها الشكلية كرئيسة حكومة و أن الرئيس قيس سعيد هو رئيس الحكومة الفعلي و الآمر الناهي كما يظهر من أداء الوزراء أنهم يخضعون رأسا لتعليمات الرئيس و أن السيدة نجلاء بود ن هي مجرد منسقة لا غير. 

نقول هذا لنصل إلى نتيجة تؤكد أن الرئيس هو المالك الوحيد و الفعلي لكافة السلطات و أن بقية الهيكل الوزاري هم مجرد موظفين برتبة وزراء لا حول لهم و لا قوة و كان عليهم  بقليل من قوة الشخصية و نزر من الشجاعة الأدبية تقديم استقالتهم بعد أن فشلوا بالجملة و التفصيل في أداء مهامهم.

السلطة المطلقة مفسدة مطلقة

هناك حقيقة تقول أن تجميع كافة السلطات فى يد شخص واحد  ليس أمرا محمودا و لا صائبا و لا عنوانا للنجاح لأن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة.

تشهد ساحات التعليم في تونس حالة غليان و احتقان غير مسبوقة و تشير بعض التقارير إلى مقاطعة الهيكل التدريسي لمباشرة مهامه التعليمية و التربوية و تسببت مقاطعة النسبة الكبرى إن لم نقل الأغلبية من المعلمين النواب إلى حالة شلل قصوى بسبب تعمد الوزير عدم تمكينهم من أجورهم منذ عدة أشهر مع اقتطاع نسبة هامة جدا من مرتبهم المدفوع لهم قبل هذه الفترة  تحت عناوين مبهمة وهو ما يدفع إلى الاعتقاد بأنه من المستحسن فتح بحث بواسطة لجنة تحقيق مستقلة خاصة في ظل الاتهامات العديدة التي طالت الوزير و كثيرا من كبار الموظفين خاصة في ملف الكتب المدرسية.  

لعل المثير في ملف المعلمين النواب هو غياب الشفافية الكاملة رغم أهمية و خطورة الملف و الأفدح من كل هذا هو حالة الارتباك الواضحة  بين مواقف الرئيس و الوزير و من يطلقون عليها تسمية رئيسة الحكومة.

المثير أيضا هو عدم تبنّى المركزية النقابية لهذا الملف و اكتفائها بتسجيل الحضور و النقاط و إلقاء الخطب البائسة التي تؤكد أنها فقدت في عهد السيد نور الدين الطبوبي فعاليتها و باتت مجرد أثر بعد عين.

هدم ممنهج للمدرسة العمومية

 هناك مؤامرة  تهدف الى تنفيذ هدم ممنهج للمدرسة الشعبية العمومية التي وضع الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة و بعض الرجال الوطنيين البررة الأسس العملية لقيامها كأحد الأهداف الأساسية الرامية لرفع الجهل و الأمية في تونس.

بطبيعة الحال جاء حكم حركة النهضة ليقوم بهذه المهمة المشبوهة بحيث ارتفعت نسبة الإخفاق المدرسي و العزوف عن متابعة التعليم إلى حدودها القصوى كما عملت الحركة على ترك المؤسسات التعليمية بدون صيانة و قامت بتغيير المناهج و استغلت حالات الانقطاع عن التعليم لاستقطاب الشباب و غسل أدمغته و تدريبه على الإرهاب و سمحت للآلاف بالانتقال إلى سوريا بهويات مزيفة تحت غطاء وفرته كوادر أمنية عليا لا يزال أعظمها بدون محاسبة فعلية إلى اليوم.

بطبيعة الحال تغيّر الأسلوب فقط في عهد الرئيس قيس سعيد لكن عملية الهدم لا تزال مستمرة و بخطى حثيثة و منع مرتبات المعلمين النواب لأشهر عديدة و اعتماد أسلوب المخاتلة فى التعامل مع ملف انتدابهم هي مظلمة كبرى يرتكبها نظام الرئيس قيس سعيد شخصيا.

لقد كان واضحا لكل متبصّر أن حكومة القائمة بالأعمال السيدة نجلاء بودن قد فشلت و أن هناك وزراء بعينهم يحتلون مراتب الامتياز في الفشل و على رأسهم طبعا وزير التربية.

وزارة بيروقراطية متكلسة فاشلة

لقد انتظر المواطنون بعد انتهاء مسرحية الاستفتاء على دستور الرئيس أن يعمل الرجل على تغيير كامل الحكومة و محاولة تقديم شخص قادر على إنقاذ ما يمكن إنقاذه و ليس مجرد عون بريد  مثل السيدة رئيسة حكومة تصريف الأعمال و حتى إن رفض ذلك من باب العناد المطبوع به تصرفاته العشوائية فكان عليه على الأقل التأسي برؤساء أندية كرة القدم الذين لا يمكنهم تغيير الفريق عند توالي النكسات فيعمدون إلى إعفاء الممرن طمعا فيما يسمى بالرجة النفسية و لكن سيادته لا يؤمن لا بالتغيير إلى الأفضل و لا بالرجة النفسية و لا بالاستماع إلى أهل الرشاد.

إن هؤلاء المعلمين النواب يقومون بدور خطير في تربية النشء و رفع الأمية و هم يعملون على مدار السنة دون أن تصرف لهم مرتباتهم و يكتفون مجبرين نظرا لمحدودية إمكانياتهم المادية و تواضعها باعتبار أن أغلبهم ينتمون إلى الطبقة الفقيرة بتلك “المكافأة” الزهيدة التي تصرف لهم بعد معاناة كبيرة و تنقلات مكلفة  لمتابعة وضعيتهم مع مندوبيات التعليم و مصالح الوزارة المتباطئة عمدا في فك طلاسم ملفاتهم من باب التنكيل و بعلم الموظفين المتكلسين الذين يديرون فعليا وزارة التربية و يساهمون إلا من رحم ربك فى هدم البنية التعليمية في كل عناوينها خدمة لزمرة تسعى لنشر التعليم الخاص.

إن أمل هؤلاء المربين هو ترسيمهم و إلحاقهم بالإطار التدريسي الرسمي بعد سنوات من الدراسة و التحصيل العلمي للحصول على راتب شهري مستحق يحفظ كرامتهم المهدورة من طرف وزارة بيروقراطية متكلسة فاشلة لكن من الواضح أن حكومة الرئيس غير قادرة على التفاعل مع الواقع و مع هذه المظلمة التاريخية التي ستبقى عالقة على جبين حكومة الأشباح.

لقد نجح الرئيس هذه المرة و تفوق في  كشف محدودية خبرته بكيفية التصرف كرجل دولة لحل مشاكل المربين كما نجح في استعداء شريحة عددية هامة من المربين و عائلاتهم و لعل الرئيس يريد بعناده أن يضيف المربين إلى قائمة ضحاياه بعد ضحاياه في المؤسسة القضائية و ضحاياه من الفقراء الذين فشل في تمكينهم من أبسط ضروريات المعيشة تاركا العنان لأباطرة الاحتكار للعبث بمقدرتهم المحدودة معتبرا أن هذا العناد  المقيت سيجبر هذا السلك على الانحناء و القبول بالخضوع و العمل بلا مرتب. 

يصر وزير الفشل المكلف بوزارة التربية و بطانته السيئة على أنه لن تكون هناك سنة بيضاء لكنه يواجه غضب المربين الرافضين لبقائه و سوء تدبيره و إذا لم يقع حلحلة الوضع المشحون في الساعات القادمة فان هناك دعوات عصيان لإيقاف الدروس بجميع المؤسسات التعليمية لضمان مبدأ تكافؤ الفرص بين التلاميذ الذين نالوا بعض الحصص و غيرهم من الذين لم  يتلقوا أي درس حتى الآن و تسوية  مظلمة المربين المناوبين.

كاتب و ناشط سياسي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.