تونس بين فوضى الأسعار و عشوائية المحاكمات 

يظهر و الله أعلم أن الرئيس قيس سعيد لا يدرى ما يحصل فعلا و على كل المستويات و يظهر و الله أعلم أن الرجل غارق في وحل مشروعه الخاص الذي يريد فرضه فرضا على الشعب دون نقاش أو حوار أو تشريك للقوى الحية في البلاد. كما يظهر أيضا أن صبر المنظمة الشغيلة قد نفذ و أن شهر جانفى القادم سيكون الفترة الساخنة التي سيقود فيها الاتحاد العام التونسي للشغل مسيرة الاحتجاجات الشعبية ضد نظام و حكومة فاشلين على كل المستويات. 

بقلم أحمد الحباسي

يمكن القول و بعد مرور  أكثر من سنة من قرارات ليلة 25 جويلية 2021  أن الرئيس و رغم استحواذه على كل السلطات لم يفلح تماما في قيادة البلاد داخليا و خارجيا و بات الدبلوماسية التونسية عنوان فشل معلن في أكثر من ملف حيوي  يخص علاقات تونس بجيرانها و بمحيطها الاستراتيجي  و لعل فشل الرئيس في إدارة ملف إرجاع العلاقات مع سوريا خير دليل على افتقاره التام للرؤية السياسية الإستراتيجية الصائبة و خضوعه  للتعنت الشخصي الذي يضر بمصالح تونس .

 لقد بات جليّا أن حكومة السيدة نجلاء بودن لم تكن الحكومة المناسبة و أن الرئيس قد ارتكب خطأ فادحا في الكاستينغ و عدم نجاح أي وزير من وزراء هذه الحكومة دليل ناطق على أن تلعثم الرئيس قد انعكس سلبا على مردود الوزراء و انتقل هذا التلعثم إلى الولاة و ما يحصل فى صفاقس و بن عروس و بنزرت مثلا من سوء  تصرف الولاة و عدم قدرتهم على ضبط الأوضاع و التعامل معها بالطريقة المناسبة يطرح أكثر من سؤال و يرجعنا بالضرورة إلى محتوى التسريبات المنسوبة لرئيس الديوان الرئاسي السابقة السيدة نادية عكاشة و التي شككت في قدرات الرئيس التسييرية و حتى الصحية. 

العبث بمصير الدولة عبر إصدار المراسيم المحبطة للعزائم

ليس خافيا اليوم أن بارونات الاحتكار و الفساد قد باتوا يتحكمون في قوت المواطن و باتت حكومة السيد الرئيس عاجزة عن القيام بأبسط أدوارها في فرض هيبة الدولة و تعديل الأسعار و الضرب بنجاعة و قوة على يد هؤلاء المفسدين و هنا يطرح الجميع أسئلة حائرة حول أسباب عجز الحكومة و فشل الرئيس و انعكاس ذلك الفشل على الأوضاع في البلاد و ما يتحدث عنه البعض عن قرب موعد الاانتفاضات الشعبية.

بالمقابل يصر السيد الرئيس شخصيا على القيام بأخطاء كارثية متتالية من شأنها إغضاب الرأي العام داخليا و خارجيا، و من بين هذه الأخطاء إصدار المرسوم عدد 54 لسنة 2022 الذي يرى فيه الجميع أداة “قانونية” لضرب حرية التعبير و خرقا فاضحا للدستور و تعديا سلبيا على حق المواطنة نفسه خاصة و أن الأستاذ أمين محفوظ خبير القانون الدستوري لم يتورع عن اتهام الرئيس بعدم الشرعية داعيا إلى تصويب الأمر بالإسراع بتنظيم انتخابات رئاسية سابقة لأوانها بدل العبث بمصير الدولة عبر إصدار مثل هذه المراسيم المحبطة و المخالفة لروح مطالب الثورة.

في الواقع  هناك شعور مرير لدى الرئيس بأن وسائل التواصل الاجتماعي و بقية وسائل الإعلام قد ناصبته العداء نتيجة لسوء إدارته لشؤون البلاد و باتت تهدد فعليا مصير مشروعه الهلامي الفاشل مسبقا و هذا العداء لا يراه الرئيس منطقيا بالنظر إلى أنه قد أتى للحكم على “ظهر” هذا الفضاء العنكبوتى الذي جعله يفوز بالرئاسة بنسبة انتخابية قياسية وهو ما عجل بإصدار المرسوم عدد 54 سيء الذكر.

لم يمر أي مرسوم من المراسيم الرئاسية  دون أن يخلف كثيرا من المدّ و الجزر الجدلي كما حصل مع مرسوم إعفاء القضاة و مرسوم إسقاط المجلس الأعلى للقضاء السابق ومن أواخر العنقود المرسوم عدد 54، هذا دليل أن الرئيس يعيش في برج عاجي لا يمكنه من الاستماع إلى مشاكل الناس الحقيقية.

الرئيس لا يستمع إلى مشاكل الناس الحقيقية

طبعا هناك عداء واضح بين الجسم القضائي و مؤسسة الرئاسة في شخص السيد الرئيس شخصيا و ما استمرار المحاكمات و التحقيقات المثيرة للسخرية لعدة شخصيات من حركة النهضة و من غيرها من أحزاب المعارضة إلا دليل فاضح أن الجسم القضائي قد قرر مواجهة الرئيس بأسلوب المحاكمات السلبية و المواجهة الصامتة المتواصلة لكن يبقى السؤال هو التالي : من يقف وراء فضيحة إحالة 25 شخصية على القضاء بتهم خطيرة تصل عقوبتها إلى السجن مدى الحياة؟ من رمى هذه القنبلة الإعلامية في فضاء المد و الجزر الإعلامي و هل صحيح ما يقال أن  الهدف من إثارة “هذه المحاولة الانقلابية” هو لفت نظر الرأي العام على ملف الانتخابات التشريعية الذي  لم ينجح فيه الرئيس و حاز على نسبة عالية جدا من الرفض الشعبي؟ لماذا تتكتم الدوائر القضائية على حيثيات ملف يهم الرأي العام لتعلقه المفترض بأمن الدولة؟ هل هناك جهات استخبارية أجنبية تقف وراء هذه المحاولة الانقلابية كما يشير إلى ذلك أكثر من طرف ؟.

لن ندخل في متاهات النقاش في صحة الاتهامات ولا في مدى وجود أطراف أجنبية من عدمه و لن نصدق أن أجهزة الأمن لا تملك معلومات أكثر خطورة ستسعى لإفرازها للعلن على طريقة الري قطرة قطرة. 

كذلك لن نقبل على الأقل من ناحية المنطق أن نشاهد صمت المشتبه بهم  دون أن نتساءل فعلا عن سرّ هذا البرود في التعامل و التفاعل مع اتهامات تصل عقوبتها إلى المؤبد فهل جاءت تعليمات بالصمت مقابل تعامل معين مع نتائج التحقيق و هل أن إصدار هذه القائمة هو من باب “إضرب القطوسة تخاف العروسة” و هل ستلي هذه القائمة قوائم أخرى و هل سيتعامل القضاء بالجدية المطلوبة لتحقيق العدالة بمنتهى الشفافية و الحيادية المطلوبة؟

هذه بعض الأسئلة على الحساب لكن المؤكد أن البلاد قد دخلت مرحلة الفوضى الاقتصادية و الفوضى القضائية و يبقى المواطن المنكوب الطرف المتضرر الوحيد في لعبة القط و الفأر بين  مشروع الرئيس قيس سعيد و مشروع الفوضى الاقتصادية الخلاقة للمحتكرين.

كاتب و ناشط سياسي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.