ما هي الديمقراطية الضائعة التي تتحدث عنها جبهة الخلاص في تونس؟

جبهة الخلاص الوطني تتحدث اليوم عن الديمقراطية الضائعة في تونس في عهد الرئيس قيس سعيّد، فهل كانت الديمقراطية المنشودة موجودة قبل ذلك في بلادنا حتى تضيع اليوم ؟ (الصورة : اجتماع شعبي لجبهة الخلاص الوطني في الكاف يوم 4 ديسمبر 2022).

بقلم فوزي بن يونس بن حديد

كثُرت تحرّكاتها هذه الأيام في الولايات ولم يوقفها أحدٌ، معلنة أن زمن السيد قيس سعيّد انتهى وتدعو إلى مظاهرة ضخمة يوم 10 ديسمبر الجاري، في تحدٍّ لرئيس الجمهورية، تدعوه خلالها إلى الرحيل وترك منصب الرئاسة، ولكن ليس المهم الدعوة التي تظاهرت من أجلها جبهة الخلاص وإنما المهم ما كانت تدعو إليه من تنصيب الديمقراطية حسب زعمهم، فجبهة الخلاص التي جمعت الشتات والمتناقضات تتحدث اليوم عن الديمقراطية الضائعة في عهد قيس سعيّد، وهل كانت موجودة قبلئذ حتى تضيع، وهل كان مفهوم الديمقراطية يقتصر على وجود برلمان تتحكم فيه الأحزاب النافذة، وهل كانت الديمقراطية صراعات حزبية وتهميشًا مجتمعيًّا، وهل كانت الديمقراطية إهمالًا لحقوق الناس على مدى السنوات، فما مفهوم الديمقراطية عند هؤلاء؟

هل الديمقراطية اليوم هي أن تتخلّص جبهة الخلاص من حكم قيس سعيّد؟ وماذا بعد الخلاص إن حدث؟ من سيحكم تونس في المستقبل القريب إن حدثت انتخابات مبكرة كما يدعون؟ من سينتخبه الناس رئيسًا بعد أن فشلت كل الأحزاب في تقديم شخصية متزنة لها وزنها في البلاد تحارب الفساد وترجع الحقوق لأصحابها؟ من هو القادر على الوقوف في وجوه الفاسدين واحدًا واحدًا كما فعل بن سلمان يومًا بمن وصفهم فاسدين في المملكة العربية السعودية؟ ومن هو القادر على إخراج تونس من محنتها الاقتصادية والاجتماعية؟ أم فقط تريد جبهة الخلاص أن تُزيح حكم قيس سعيّد؟ هل هذا أقصى ما تريد؟

الديمقراطية في ثلاجة الموتى إلى يوم الدين

ماذا فعل قيس سعيّد بالديمقراطية التي تنشدونها أنتم يا جبهة الخلاص، هل ذبحها من الوريد إلى الوريد؟ أم أنها وضعها في ثلاجة الموتى إلى يوم الدين؟ ألم يأت قيس سعيّد عبر صندوق الانتخابات وانتخبتموه وفضّلتموه على السيد نبيل القروي الذي كنتم ذات يوم تسخرون منه؟

ماذا يملك قيس سعيد من وسائل نفوذ حتى يسيطر على الحكم في البلاد؟ أيملك سلطة على الجيش والشرطة؟ أيملك مال قارون؟ أيملك مليشيات
تجوب شوارع تونس جيئة وذهابا؟ هل حقا أنتم عاقلون؟ هل حقا أنت جادّون في التظاهر يوم 10 ديسمبر كما وعدت جبهة الخلاص.

هذه الجبهة تأسست على جرف هار، سرعان ما تنهار بمجرد أن يمضي قيس سعيّد بعد انتهاء مدته القانونية إن لم ينتخبه الشعب التونسي، وإن انتخبه مرة ثانية فسيقول لكم : موتوا بغيظكم فإننا باقون وعلى العهد ماضون، هذه الجبهة لن تقدم للشعب التونسي شيئا ولا تعرف من
الديمقراطية إلا اسمها، فلا برنامج سياسي ولا برنامج اقتصادي ولا برنامج اجتماعي بل يزرعون أوهامًا هنا وهناك، ويعدون الشعب بوعود مزيفة لا وجود لها على أرض الواقع وقد ثبت ذلك بالبرهان، أليس من الأفضل أن تصمت هذه الجبهة إن لم تقل خيرا، أليس من الأجدر أن
تخجل إن لم تقدم برنامجا، أليس من الأحرى أن لا تتظاهر يوم 10 ديسمبر لأنها لا تملك من الحق شيئا.

جبهة متهافتة مفلسة سياسيا وبرنامجيا

ولأن هذه الجبهة مفلسة سياسيا وبرنامجيا أليس من الأفضل لها أن تستثمر جهدها ووقتها في ما ينفع تونس لا في ما يزيد من معاناتها، وذلك بالمشاركة في صنع القرار وعدم التنطع والوقوف ضد التيار، بلا أهداف مرسومة سوى أنها تبكي على الديمقراطية التي ضاعت ولا ندري عن أي ديمقراطية يتحدثون، وكيف ستكون في ظلهم أو حكمهم إن مسكوه يوما.

إن الديمقراطية في مفهومها العام الذي يريده الغرب هي تلك الفوضى العارمة التي يشهدها كثيرٌ من البلدان العربية، يريدون منا صنع ديمقراطية موهومة وهم يصنعون الأجيال على أكتاف ثرواتنا ويغيّبون كفاءاتنا بإغرائهم ماديا ومعنويا حيث لا يجدون ذلك في بلدانهم
فيضطرون إلى الهجرة السلبية، يريدون منا أن نعيش على أنغام ديمقراطيتهم التي صوّروها لنا، وكلما تعرضت مصالحهم للتهديد قالوا إن بلادنا تنحو نحو الديكتاتورية وبدأت تتراجع فيها الديمقراطية، وإذا تريدون النظر إلى الديمقراطية فانظروا إلى ديمقراطيتهم النتنة التي
يصدّرونها نحونا لتظل أنوفنا تشمّها على الدوام.

كفى لعبا بعواطف الناس البُسطاء، كفى إحراجا للموظفين والموظفات، كفى شعارات مزيفة للاتحاد العام التونسي للشغل، فهو المكينة التي
ستخرّب البلاد، ولننطلق معا من أجل تونس حرة مستقلة، نخدم شعبها الفقير المحتاج، ونربي شبابنا على العلم والمعرفة، ونوفر له كل سبل
العلم والتقنية عندئذ سنكون قد خدمنا تونس فعلا.

شارك رأيك

Your email address will not be published.