تونس : لماذا تتعذر المصالحة ؟

التجاذبات السياسية و تبادل الاتهامات لا تجدي نفعا في النهاية و لن تصلح الأمر في تونس لكنها ستستمر بلا هوادة خاصة فى ظل فترة رئاسة الرئيس قيس سعيد الذي يبغض مفهوم المصالحة ولا يراه مهما أو مطروحا و همه الوحيد هو الاستفراد بالسلطة و ضرب المؤسسات بما فيها مجلس النواب القادم و قبر الأحزاب و مواجهة الاتحاد العام التونسي للشغل آخر القلاع الصامدة الذي يراه قادرا على إسقاط مشروعه الفاشل لامتلاك كل السلطات.

 بقلم أحمد الحباسي

هل يمكن الحديث عن مصالحة سياسية في تونس ؟ هل يمكن رأب الصدع الذهني الذي أصاب الوجدان التونسي؟ ماذا ترك مرور الإسلام السياسي في تونس منذ عهد الرئيس الراحل الزعيم بورقيبة إلى يومنا هذا من ارتدادات و إرهاصات؟ لماذا يثير خطاب الرئيس قيس سعيد النفور في علاقة بالمصالحة الوطنية؟ ما علاقة قانون الصلح الجزائي بمفهوم المصالحة الشاملة؟ هل حصل الانقسام أفقيا و عموديا في تونس ؟ ما الذي ساهم في استحالة المصالحة و من له مصلحة فى تقسيم تونس و هل هناك أجندات خارجية خططت و مولت و دفعت بعض الرموز المشبوهة لزرع خطاب التقسيم و التنافر؟ هل ساهم الإعلام في زرع خطاب الفتنة و التناحر؟ لماذا غاب الخطاب الديني الهادئ الذي ينادى بالمصالحة ؟ من هي الشخصيات المؤهلة لإدارة حوار فاعل حول المصالحة؟

هذه بعض الأسئلة الحائرة التي  ينطق بها التونسيون دون أن يجدوا له أية إجابة.

طغيان خطاب التكفير و التخوين

لا شك أن  جميع مكونات المجتمع المدني في تونس محشورة اليوم في الزاوية و لا شك أن مطالعة خطب كافة الأحزاب دون استثناء نجد أنها تحمل في باطنها بذور الخلاف و التصدّع و عدم القبول بالآخر و ربما الاجتثاث أصلا و لا شك أن ما وصل إليه الوضع من تعفن و  سوء إدارة للخلاف السياسي و بحث الجميع عن الزعامات الزائفة و طغيان خطاب النقد و التخوين على خطاب الدعوة للمحاسبة و المصالحة يتحمل مسؤوليته كل  السياسيين و كل المنظمات الوطنية دون استثناء هذا إضافة طبعا إلى الخطاب التفريقي المتعصب لرئيس الدولة السيد قيس سعيّد و الذي يساهم بمقدار كبير في توسيع رقعة الخلافات السياسية وهو ما يتعارض أصلا مع نصّ القسم الدستوري الذي نكثه في محطات عديدة و الذي يوجب عليه أن يكون رئيسا لكل التونسيين و أن يتجنب مثل تلك العنتريات الخطابية المملة و الخطيرة التي تزيد الطين بلّة مع كل إطلالة من إطلالاته الهجومية.

لعل مشكلة تعذر المصالحة في تونس متأتية من عدم وجود أطراف أو منظمات يمكن الاطمئنان إليها للقيام بمبادرة أو برنامج محدد لإجرائها و الوصول بها إلى برّ الأمان.

بطبيعة الحال و في ظل حالة الشكّ و الريبة التي تحيط بجميع العاملين في الحقل السياسي أو النقابي أو الجمعياتى شهدت محاولات ما يسمى بجبهة الخلاص أو الاتحاد العام التونسي للشغل أو بعض الأطراف “المستقلة” و من البداية فشلا ذريعا و منتظرا تماما كما حصل إبان فترة  رئاسة السيدة سهام بن سدرين لما سمّى حينها بهيئة الحقيقة و الكرامة و ما تبع ذلك من فشل قانون العدالة الانتقالية سيء الذكر.

مبادرات بائسة و خجولة

لذلك يظل السؤال ماثلا بلا جواب حول الأسباب التي تدفع  هذه المكونات السياسية إلى تقديم مبادرات بائسة و خجولة يعلم الجميع أن مآلها المحقق هو الفشل  كذلك يجب البحث في العمق حول  الأسباب الحقيقية التي دفعت البعض إلى تكرار خطب التفرقة و الاجتثاث  و لماذا لا أحد ينتبه إلى خطورة تواصل حالة الانقسام و تأثيرها على الصعيد الاجتماعي و السياسي خاصة بعد أن وصل حال الاقتصاد التونسي إلى حافة الانهيار و باتت تونس دولة منكوبة اقتصاديا.

لعل معالجة ملف المصالحة يحتم علينا النظر في التجارب المقارنة في عدة بلدان و من أهمها المصالحة التاريخية في جنوب إفريقيا بعد سقوط نظام الميز العنصري و قانون المصالحة في الجزائر الذي دعا إليه الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة و الذي تلى ما يسمى بالعشرية السوداء في الجزائر، بطبيعة الحال نحن لا نملك قامات سياسية مثل الرئيس الجزائري الراحل أو الأسقف ديسموند توتو أحد أكبر رموز  الكفاح ضد العنصرية في إفريقيا كما لا نملك رئيسا قادرا على  توفير مناخ سليم  لحصول المصالحة بالشكل الذي يحفظ الوحدة الوطنية و يحاسب البعض محاسبة بلا أغراض أو تشفي بما يجنب الوطن هزات عدم الاستقرار المطوّل.

لذلك نأسف عندما نؤكد أن التجاذبات و تبادل الاتهامات و التي لا تجدي نفعا في النهاية و لن تصلح الأمر ستستمر بلا هوادة خاصة فى ظل فترة رئاسة الرئيس الحالي الذي يبغض مفهوم المصالحة ولا يراه مهما أو مطروحا و همه الوحيد هو الاستفراد بالسلطة و ضرب المؤسسات بما فيها مجلس النواب القادم و قبر الأحزاب و مواجهة الاتحاد العام التونسي للشغل آخر القلاع الصامدة الذي يراه قادرا على إسقاط مشروعه الفاشل لامتلاك كل السلطات.

إن المصالحة  مثل الصبي الصغير تحتاج حتى تكتمل و يشتد عودها إلى بعض الخطوات الأولية مثل الخطاب الهادئ و المتسامح و الذي يدعو إلى بناء الثقة و التعايش السلمي و نبذ الأحقاد و العدالة التصالحية و يقرّ بأن العنف و الفكر المتطرف منبوذان شرعا و قانونا. إن المصالحة حين تبدأ من الأعلى و دون  مقدمات و أرضية صلبة لا يمكنها أن تقف على ساقيها و تبقى متعثرة و لا تفرز نتائج مطلوبة و إذا كان هناك من نداء فعلى الرئيس أن ينتبه هذه المرة أنه يقود البلاد و خلافا لما يعتقد أو يظن إلى حافة الحرب الأهلية و لذلك يجب عليه أن لا يغترّ ببعض الأصوات أو الصيحات من هنا أو هناك و التي تتحدث عن الولاء للنهج المشبوه الذي يقود البلاد إليه و من يعرف طبيعة الذهنية لدى المواطن التونسي يعلم أنه “شهّال بدّال” و لن يخجل من الدوس على كل شيء بمن فيهم من اعتقدوا في لحظات غرور أو نرجسية  أنهم باقون في السلطة إلى يوم الدين. 

كاتب و ناشط سياسي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.