تونس : ماذا تبقى من هيبة الدولة ؟ 

إن تواصل القبضة الأمنية بدون روية أو تمييز و تواصل العجز الحكومي في إدارة شؤون الدولة و سوء أداء الوزراء على المستوى الدبلوماسي و سوء التعامل الإعلامي مع الرأي العام و تواصل الهجمة الإعلامية الغربية بسبب الإيقافات الأخيرة و انتكاسة الوضع الفلاحى إضافة إلى انعدام مناخ الاستثمار و هروب المستثمرين و إقفال عديد المصانع و تفاقم ظاهرة المخدرات و الجريمة المنظمة… كلها ظواهر تعطى الانطباع بفشل الدولة في تونس و عدم قدرتها على السيطرة على الوضع فى الداخل والخارج.

بقلم أحمد الحباسي

ماذا تبقى من هيبة الدولة في تونس ؟ الجواب هو أن ما تبقى شيء قليل. ربما ظن الرئيس قيس سعيد أن الخطب و الوعود الرنانة قادرة بمفردها على إعادة هيبة الدولة التي  دمرها حزب حركة النهضة طيلة أكثر من عشر سنوات ارتكب فيها هذا المكوّن المشبوه كل الجرائم و الأفعال و الفضاعات الممكنة. ربما ظن الرئيس أيضا أن الالتجاء و الاتكاء على القوة الأمنية سبيل سالك و ممكن لفرض هيبة الدولة و أن الاعتداء على المتظاهرين تماما كما حصل منذ يومين لمناصري و قيادة الحزب الدستوري الحر مباح تفعيلا للمقولة الشائعة “: “الغاية تبرر الوسيلة و الضرورات تبيح المحظورات” لكن الحقيقة أن السيد الرئيس يشارك بمثل هذه التصرفات المدانة في مزيد ضرب هيبة الدولة لأن تفعيل آلة القمع البوليسية يرفع منسوب الاحتقان و ينفر المواطن من الدولة و من أجهزتها و يجعله يلتجئ إلى العنف دون تفكير.

الأداء الحكومي يصل إلى أحط المستويات

تعانى حكومة السيدة نجلاء بودن من رداءة الكاستينغ الوزاري و ما يعانيه الوزراء من سوء إدراك لحقيقة الوضع و كيفية معالجته و قد وصل الأداء الحكومي إلى أحط المستويات في جميع المجالات بحيث سجل تراجع مرعب في كيفية التعامل مع بارونات الاحتكار الذين عربدوا و مثلوا بقفة المواطن تمثيل الغربان بجثث الأبرياء بل باتوا يشكلون دولة داخل الدولة مما جعل المواطن يتساءل أين الحكومة و أين المتابعة الأمنية و أين الرئيس و أين تفعيل خطبه و وعوده على أرض الواقع.

لم يكتف السيد الرئيس بتكوين حكومة عاجزة عرجاء آيلة للسقوط حتى “دعمها” بتبني مجموعة من الوصوليين و عديمي الكفاءة و أشباه المثقفين ليضعهم في مناصب الولاة و  المعتمدين معتبرا أن الانتماء أهم من الكفاءة بحيث بات هناك اعتقاد لدى العامة بأن التزلف و الشللية هي متطلبات التعيين و أقصر الطرق لاكتساب المناصب و رضا سيادته و قد شاهدنا ماذا يحصل من فساد خيالي داخل كثير من المؤسسات بولاية بن عروس و على بعد أمتار من مكتب السيد الوالي العاجز.

إن تواصل القبضة الأمنية بدون روية أو تمييز و تواصل العجز الحكومي في إدارة شؤون الدولة و سوء أداء الوزراء على المستوى الدبلوماسي رغم  تغيير الوزير و انعدام الشفافية و سوء التعامل الإعلامي مع الرأي العام و تواصل الهجمة الإعلامية الغربية بسبب الإيقافات الأخيرة و انتكاسة الوضع الفلاحى إضافة إلى انعدام مناخ الاستثمار و  هروب المستثمرين و إقفال عديد المصانع و تفاقم ظاهرة المخدرات و الجريمة المنظمة و عجز المؤسسة الأمنية على تقديم كشف حول ملف الإرهاب و هل تم تنظيف البؤر الإرهابية مثل جبل الشعانبي كتقديم كشف حول ما ينسب للوزارة من تقصير في كشف الحقيقة حول عديد الملفات المتعلقة بالتمويل الأجنبي المشبوه لبعض “المدارس القرآنية” و”الجمعيات الخيرية”  و تسفير الإرهابيين إلى سوريا كل هذه الملفات و غيرها تعطى الانطباع بفشل الدولة و عدم قدرتها على السيطرة على الوضع و هشاشة هيبتها التي تجعل الجميع فى الداخل و الخارج يتجاوزونها بصورة متواصلة.

هيبة الدولة في مهب الريح

تبدو العاصمة و بقية الولايات على حد سواء على فوهة بركان غاضب و في كل الأحياء و الشوارع هناك ارتفاع غير مسبوق لمعدل الجريمة بكل أنواعها و السلاح حاضر في كل مكان و آخر ذلك فيما حدث منذ أيام قليلة بمدينة قصر هلال و مع كل عملية إجرامية تشعر بأن العصابات و بارونات التهريب كأنها تخرج لسانها للدولة و أجهزتها و خططها الأمنية و السؤال الذي يطرح نفسه هو التالي : من أين تستمد هذه العصابات قوتها و جرأتها؟ و الجواب صعب و معقد لأن تناول الموضوع من جميع جوانبه يحتاج بعض الوقت لفك الشفرة باعتبار أن معالجة الجريمة و القبض على الجناة ليس بالسهولة التي نتوقعها خاصة في ظل وجود اختراقات أمنية و لوبيات فساد فاعلة و تصاعد وتيرة الرشاوي و التدخلات على كل المستويات و ما يعانيه القضاء من فساد و سقوط في عبث السياسة.

في الحقيقة لا ينحصر هدف الخطط الأمنية بالقبض على المجرمين بل يجب إرساء مناخ من الاستقرار السياسي يرتكز على مفهوم هيبة الدولة و في هذا المجال فإن الخطاب المتوتر و الاتهامات الخطيرة المبنية للمجهول لرئيس الدولة لا تساعد على إرساء مناخ سليم يعزز هيبة الدولة.

إن فشل الحكومة و فشل الرئيس يزيدان من هشاشة الوضع و يضعان هيبة الدولة في مهب الريح و قد بلغ حد تعطيب مؤسسات الدولة حدا غير مسبوق لذلك فان اتكاء الرئيس على شرعية الانتخابات للاستفراد بالحكم  لم يعد يعني للأغلبية شرعية مقبولة بل عبئا معطلا يعطب حتى العيش المشترك و هو ما أكده النفور العام الأخير من الانتخابات التشريعية.

كاتب و ناشط سياسي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.