الشرق الأوسط : طوفان الأقصى… وماذا بعد؟!

يدخل طوفان الأقصى أسبوعه الثاني ليكشف من جديد عن مقاصد الصهيونية وأداتها إسرائيل في إخضاع فلسطين والوطن العربي.

بقلم العقيد محسن بن عيسى

خاض العرب والفلسطينيون 14 حربا ضد إسرائيل من 1948 الى 2021، وإن كان لكل حرب أسبابها المباشرة وظروفها الخاصة، فالفلسطينيون اليوم عاقدون العزم على ما يبدو للمُضيّ قُدما لخوض حرب تحرير والخروج بقضيتهم من المأزق مهما كان الثمن.

عودة القضية الفلسطينية للصدارة

القليل من التاريخ يعرّفنا أنّ العرب شكّلوا قلب الأمة الإسلامية للانتصار على المغول والصليبيين. ووقفوا أمام القوى الاستعمارية وأسسوا حركات وطنية أفرزت قادة ملتزمون فكريا بالاستقلال وبناء الدولة والأمة. وعلى هذا المعنى عاش العالم العربي على وقع القضية الفلسطينية عامة وقضية الأقصى خاصة، منذ اندلاع الثورة الفلسطينية سنة 1936.

عقود طويلة مرّت ومازال الفلسطينيون عاجزون على إيجاد حلّ سياسي للقضية مع العدو. وبالرغم مما تحقق من صمود وتصدي، فإعادة النظر في طبيعة الصراع وفلسفة إدارته وتوازنه أصبحت ضرورية. التاريخ لا يصنعه من ينتظرون قطف ثمار نضال غيرهم ويعيشون أسرى اللحظة الزمنية، بل يصنعه من هم أصحاب رؤية ورسالة يخترقون بها حجب الزمن، ويترفعون بها عن الواقع المؤلم المحبط.

والحرب هنا كما يؤكد ” كلاوزفيتزر” هي امتداد للسياسة بوسائل أخرى. والحرب عامة ليست مصادفة تاريخية محضة، بل هي عملية ناجمة عن تفاعل مجموعة من المتغيرات والأسباب التي دفعت إلى إثارتها. فما هي أسباب الحرب الجارية؟ وما هي النتائج التي ستترتب عليها؟

طوفان الأقصى هو انعكاس لحالة إحباط عامة وصورة متكاملة لمعاناة المواطن الفلسطيني الذي أغتصبت حقوقه وشُرّد من أرضه، والذي يُقتل ويُسجن، وتُصادر ممتلكاته، ويُدمّر بيته، وينتهك عرضه. طوفان الأقصى يحدث في وقت طوى فيه العالم صفحة الاستعمار التقليدي البغيض، ولكنه أبقى على الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، وغض الطرف عن انتهاكاته واعتداءاته.

طوفان الأقصى فرض نفسه في وقت يتحدث فيه العالم أجمع عن حقوق الإنسان وصيانة كرامته وحريته وحقّه في العيش بسلام في بيته وأرضه، ولكنه يَصمُّ آذانه عما يحدث اليوم في غزة والضفة من مجازر وتهجير.

قوافل الشهداء تتوالى ولن تكون هناك حلول دون أن يتحصل الفلسطيني على حقه الطبيعي في أرضه وحريته ومقدساته وتقرير مصيره.

بناء الموقف العربي

وحدة العرب تبحث عن استعادة الثقة في أنفسنا، وفي بعضنا البعض. لقد أعطت هزيمة 1967 دفعا للتضامن العربي تحت شعار المواجهة والمساندة. واعتقادي أنّ رد الفعل العربي تجاه طوفان الأقصى 2023 كان موسوما بوحدة وجدانية تساعد على ترميم وبناء الموقف العربي. أدرك جيدا الحساسية الشديدة للخوض في هذا الموضوع، خصوصا في مثل هذه الظروف المؤلمة التي تكثر فيها الاتهامات المتبادلة.

بناء الموقف العربي لا يحتاج لمزيد من الوقت حتى ينكشف غبار الحرب عن مزيد من المعلومات والحقائق. فالظروف متاحة أمام حشد إسرائيل لمزيد من المواقف والمساندة، أن يقع وضع بعض النقاط على الحروف، ولملمة الصورة العامة للملف الفلسطيني في هذه المرحلة القاتمة من تاريخنا. كيف يقبل الضمير العربي هذه المجازر في حق المدنيين؟ وكيف يفهم العرب تعليلات العدو بمحاصرة حماس وسياسة التهجير قد بدأت فعلا؟

لا مفر من أن ينصرف التفكير هنا الى الجامعة العربية والسؤال ماذا فعلنا طيلة السنوات الماضية؟ فطوفان الأقصى محطة جديدة، لنعرف أنفسنا وواقعنا وما يستلزم ذلك من تصحيح وتغيير للحفاظ على الأرض والكرامة. كان من الصعب أن يكون للجامعة التي تعكس أوضاعنا دور واضح وصريح في ظل المناخ القائم. فاللوم الحقيقي يقع على أصحاب القرار والنخب السياسية وخلافاتهم ورفضهم الأخذ بأسباب الوحدة. كل هذا وغيره جعل الشعوب تفتقد الثقة في مصداقيتها وتفقد الأمل في يومها وغدها.
الجامعة تعكس صورة الواقع العربي الذي تعيش فيه فاذا تطور تطورت وإذا تراجع تراجعت معه. لا تكفينا وحدة اللغة ولا يكفينا امتلاكنا لوحدة التاريخ، فالعالم العربي يحتاج الى الأمل الذي يصنع المستقبل والمصير.

ضابط متقاعد من سلك الحرس الوطني.

                                                         

شارك رأيك

Your email address will not be published.