طوفان الأقصى : كيف تعامل الإعلام السعودي مع الحدث ؟

لقد حول الإعلام السعودي المقاومة الفلسطينية إلى تصرف عبثي و استهتار سياسي و هذه السياسة الخاطئة و الحسابات المزاجية و الرهانات الخاوية تمثل قمة العبث و الانخراط فى المشروع الصهيوني و في السياسة الغربية التي تقوم على مساندة إسرائيل المطلقة و التعتيم على جرائمها الإرهابية.

 بقلم أحمد الحباسي

 لم يخجل أحد كبار الكتاب الخليجيين من أن يشير بأصبع الاتهام إلى أن إيران هي عدوّة العرب  قبل إسرائيل كما لم يخجل الإعلام السعودي بالذات و من ورائه القيادة السياسية طبعا إلى التصويب على إيران في الرايحة و الجاية محملها مسؤولية ما حصل في سوريا و لبنان و اليمن و ما يحصل حالة في مدينة غزة المنكوبة.

من يشاهد قناة العربية هذه الأيام مثلا سينتبه إلى وجود حالات و علامات تشابه كثيرة بين خطابها و بين تصريحات القيادات الصهيونية خاصة حينما يتعلق الأمر بتحميل إيران مسؤولية ما يصفه المتحدث باسم الجيش الصهيوني أفيخاي أدرعى من “وحشية حماس” أو وصفها بداعش و بالنازية  بل وصل الأمر بالقناة السعودية إلى التشكيك في عملية القصف البربري الذي طال مستشفى المحمداني و الذي تسبب في اغتيال ما لا يقل عن 500 شهيد من المرضى و المواطنين المتواجدين به ساعة القصف مطالبة بانتظار نتائج التحقيق و الحال أن مراسلي القناة كانوا بالمكان ساعة القصف و على علم  تام بتفاصيل الجريمة و المسؤول عنها.

إعلام يساوى بين الضحية و الجلاد

لقد استغل الإعلام السعودي مرة أخرى فرصة ما يحدث في غزة من زلزال على كل الأصعدة للتصويب على حماس و على إيران و حزب الله مشككا في جدوى العملية الاعجازية البطولية التي نفذتها كتائب الشهيد عزالدين القسام الجهادية و التي زلزلت في بضع لحظات الأسطورة الخيالية الكاذبة التي صنعها جيش الاحتلال الصهيوني بكونه الجيش الذي لا يقهر و القادر على التعامل مع كل الجيوش العربية في نفس الوقت.

بطبيعة الحال من يقرأ بيان وزارة الخارجية السعودية و الذي احتوى على شديد الاتهامات الكاذبة ضد المقاومة الفلسطينية و الذي ساوى بين الضحية و الجلاد و قدم “غطاء” إعلاميا غير مسبوق للقيادة الصهيونية يدرك ما قصده رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو بكونه يرى بعين التقدير الجهود المبذولة من النظام السعودي للتطبيع مع إسرائيل معتبرا أن عملية طوفان الأقصى قد جاءت لتعطيل  هذا المسار.  

بطبيعة الحال أيضا أن تشاهد الإعلام السعودي يستنكف تسمية المقاومين بالجهاديين و يكتفي باستعارة لفظ “المسلحين” الذي يستعمله الإعلام الصهيوني و هو تصرف يندى له الجبين حين يأتي من إعلام دولة  تقوم على رعاية الحرمين و تزعم نفاقا أنها تساند القضية الفلسطينية.

دعونا نتساءل لماذا ينغمس الإعلام السعودي في الحضيض ليقدم وجبات مسمومة بهذا الشكل الذي كشف كمية العداء التي يحملها للقضايا العربية العادلة و لطموحات الشعوب في التحرر و الاستقلال؟

لماذا يقف هذا الإعلام ضد المطالبة بحرية التعبير و التداول على السلطة و الديمقراطية ؟

لماذا يجحف في حق الشعب الفلسطيني و يتخذ مواقف عدائية مخجلة لن تمحى من ذاكرة التاريخ؟  

متى أصبحت إسرائيل دولة صديقة و كيف يفسر الضمير العربي هرولة النظام نحو التطبيع رغم استمرار احتلال الكيان للأرض الفلسطينية؟

لماذا يسعى الإعلام السعودي إلى ترسيخ فكرة أن إسرائيل دولة مسالمة يتم الاعتداء عليها من طرف  المقاومة الفلسطينية؟

ربما قيل الكثير حول التوجهات الجديدة  للنظام السعودي في عهد الأمير محمد بن سلمان لكن يظهر أن كل ما حصل هو لمزيد القفز في الحضن الصهيوني و أن عملية المصالحة بينه و بين سوريا هي مجرد خدعة سياسية فرضتها بعض الأحداث و بالذات فشل الجحافل الإرهابية التي رعاها النظام لضرب سوريا في تحقيق الهدف.

من غرائب الإعلام السعودي أنه يرفض الحديث عن  مسائل جوهرية مثل الديمقراطية كما يرفض تناول مسألة التداول على السلطة و لا يتحدث أيضا عن تواجد القواعد الأمريكية في الأراضي السعودية بعلة أنها تحمى النظام من “الخطر” الإيراني.  

إعلام يتجنى على الحقيقة و يقفز على جرائم الاحتلال

لا يتحدث الإعلام السعودي بالطبع على كلفة هذه الحماية الأمريكية و هي التي تعادل ميزانيات كثير من الدول و لكنه يسهب في الحديث عن قيمة العون الذي تقدمه إيران للمقاومة الفلسطينية و الذي مكنها من خلق شبه توازن للرعب كان مفقودا إلى وقت قريب و هذا التوازن هو من يعطل منذ أسابيع نية العدو في الهجوم البرى على غزة نظرا لما ستكون عليه كلفته الباهظة على كل المستويات و بالذات كلفته البشرية  الجسيمة و التي ستؤدى للإطاحة بكامل حكومة  بنيامين نتانياهو و ستشكل نهايته السياسية هذه المرة ليخرج  بهزيمة ستكون لها انعكاسات و ارتدادات سياسية و عسكرية مرعبة على مستقبل هذا الكيان المجرم.

لعله من المؤلم أن يتجنى الإعلام السعودي على الحقيقة و يقفز على جرائم الاحتلال و يتجاهل كل صور الأطفال الذين مزقت أجسادهم القنابل و قضت على طفولتهم غارات الطيران الصهيوني و لعله من العار  أن يستمر هذا الإعلام في الغمز من جهة العون الإيراني للمقاومة ليجعل من بنادق الشرفاء مجرد  سواري شيشة لبعض المخمورين .

لقد حول الإعلام السعودي بانتهاجه سياسة إعلامية خاطئة و حسابات مزاجية و رهانات خاوية المقاومة الفلسطينية إلى تصرف عبثي و استهتار سياسي وهو تصرف يمثل قمة العبث و الانخراط فى المشروع الصهيوني و في السياسة الإعلامية الغربية التي تقوم على مساندة إسرائيل المطلقة و التعتيم على جرائمها الإرهابية و لعل ما كشفته أحداث غزة هذه الأيام من جرائم إعلامية سعودية تخص سلبية تعاطيها و تغطيتها للأحداث الجارية هو قليل مما قدمه نفس الإعلام في تغطيته للممارسات الإرهابية للميليشيات التكفيرية التي مولها النظام السعودي و أرسلها للشام لتنفيذ مخططه القذر في ضرب النظام و هدم مقومات استمرار وجوده عسكريا و اقتصاديا.

لا نكشف سرا حين نؤكد أن خطورة المرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية لا يوازيها جسامة و لا يماثلها أثرا إلا مرحلة الحروب الصليبية و غزوات التتار التي واجهها المسلمون و دفعوا فيها أغلى الأثمان و لذلك يطالب الشرفاء الشعوب العربية بالانتباه إلى سقوط الإعلام السعودي الذي يرغب في تحطيم عوامل الحصانة و رغبة المقاومة في الذهن العربي. و للحديث بقية.

كاتب و ناشط سياسي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.