من صدق يوما أن إسرائيل تريد السلام ؟

مع كل اعتداء وحشي يستهدف الشعب الفلسطيني تتعالى أصوات الحكام العرب منادية بإيجاد حلّ سلمى عارضين على الكيان الصهيوني مبادرة “الأرض مقابل السلام” او ما يسمى “حل الدولتين”. لكن المتابع للصراع العربي الصهيوني يعلم أن قادة هذا الكيان الغاصب قد بنوا فكرة هذا الاحتلال على حلم إنشاء دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات و بالتالي فلا يمكن لعاقل أن يتصور أن قيادات صهيونية بهذا الفكر الاستعماري يعنيها السلام أو تفكر فيه أصلا. (الصورة : قادة عرب و مسلمون مهزومون سلفا و لا يتقنون سوى فن قمع شعوبهم).

 بقلم أحمد الحباسي

إذن، لماذا يصر الحكام العرب على طرح هذه الفكرة و الإصرار عليها في كل مناسبة و حين و هل أن عجز هؤلاء الحكام في  إيجاد  مخرج لهذا النزاع الدموي هو الذي جعلهم يهرولون فرادى للتطبيع مع هذا الكيان العنصري غاسلين أيديهم نهائيا و ربما بمفعول رجعي من وجع الرأس الذي تمثله القضية الفلسطينية التي طالما نظموا الشعارات و الخطب الرنانة لوصفها بالقضية الأم مع أنه قد ثبت أن بعضهم قد باعها برخص التراب و مقابلة حماية أمريكية لعروشهم الآيلة للسقوط.

عقل عربي مهزوم بالفطرة

هذا العقل العربي الذي يبحث عبثا عن تسويق فكرة الأرض مقابل السلام هو عقل مهزوم بالفطرة بل أكاد أجزم أن هؤلاء الحكام الذين طرحوا و لا يزالون مثل هذه الفكرة السخيفة  قد تناسوا مقولة أن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة و أن صفحات التاريخ ناطقة بأنه لا سلام مع محتل  بل لنقلها صراحة بأن من لا يزال ينطق بمثل هذه المقولة هو حاكم لا يستحق جنسيته العربية الإسلامية.

لا أدري صراحة ما جدوى ترسانات و صفقات شراء الأسلحة و ما جدوى كل هذه المناورات “بالذخيرة الحية” ما دامت البنادق غير موجهة لتحرير فلسطين، لماذا كل هذه الاستعراضات العسكرية و كل هذه التصريحات بأن الدولة العربية الفلانية قوية و قادرة على حماية حدودها مع أنه شاهدنا بمناسبة معركة “طوفان الأقصى” أنه لا أحد من الحكام العرب قادر على  إيصال المعونات الإنسانية لسكان غزة المنكوبة.

نحن نعيش زمن التطبيع المفروض على الشعوب العربية و زمن حماية الموساد الصهيوني لكثير من القادة العرب و زمن قناة “العربية ” التي تعتبر المقاومة الفلسطينية إرهابا.

لقد نطقت ألسنة أحرار العالم و وصفت الكيان الصهيوني بكونه يقوم بحرب تطهير عرقي و يرتكب مجازر في حق الأبرياء و طالبت بإحالة قادة إسرائيل أمام المحاكم الدولية، بالمقابل اجتمع حكام العرب بعد أكثر من شهر من بداية المجازر الصهيونية في غزة و تبارزوا جميعا و دون استثناء في انتقاء العبارات و حشو خطبهم بأكثر الكلمات الساخطة ليخرجوا في النهاية ببيان مثير للسخرية و بموقف يثير النفور مؤكدين مرة أخرى أنهم في واد و شعوبهم في واد.

الحكام العرب لم تعد تهمهم القدس و لا فلسطين

ربما تساءل البعض لماذا لم يبادر بعضهم بقطع العلاقات أو سحب السفر أو إيقاف مساعي التطبيع و لكن العالمين بخفايا الأمور يدركون أن حكامنا الميامين لم تعد تهمهم القدس و لا فلسطين و لا ما يحدث للشعب الفلسطيني من تنكيل و هؤلاء الحكام  مستعدون لتقديم كل عبارات الاعتذار و الانحناء لو تجرأ مواطن عربي على إلقاء حجر على جيش الكيان. 

لقد وصل حال الحكام العرب إلى الحضيض و لا يغركم ما نسمعه من بعض الخطب العنترية لأن تلك الخطب التي كان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر يلقى مثلها هي التي أدت بالقضية الفلسطينية إلى أن تصبح مجرد خبر في نشرات أخبار منتصف الليل. و لأن إسرائيل دولة مارقة تخاف من السلام و لأن من زرعوا هذا الكيان الغاصب لا يريدون السلام لهذه المنطقة لأن استمرار الحروب يخدم مصالحهم و يشغل مصانعهم العسكرية و لأنه لا قانون  يحكم تصرفات اللوبي الصهيوني الذي يتحكم في قيادات الدول الغربية و بنوكها فمن المؤكد أن اعتماد مقولة الرئيس الراحل أنور السادات بأن “كل أوراق اللعبة و الحلّ في يد الولايات المتحدة الأمريكية” هو مضيعة للوقت و أن تواصل تمسح القادة العربية على أعتاب البيت الأبيض هو ذل ما بعده ذلّ فان العقل الذي خطط و نفذ عملية “طوفان الأقصى” هو لوحده كفيل بتحرير الأرض الفلسطينية مهما كلف الأمر من تضحيات و إذا صمدت المقاومة في غزة ما يزيد عن الشهر في وجه أكبر قوة  عسكرية متوحشة في المنطقة و هو الأمر الذي عجزت عنه الأنظمة و الجيوش العربية مجتمعة في كل الحروب السابقة فإنه من المؤمل أن تكون لعملية طوفان الأقصى ارتدادات سلبية كبرى على معنويات جيش “الدفاع” الصهيوني و ستكون من أولى النتائج المهمة انسحاب و محاكمة  شارون إسرائيل الجديد بنيامين نتنياهو التي باتت ملامحه تعبر عن الهزيمة الصهيونية المعلنة و حينها يمكن القول أيضا أن يوم 7 أكتوبر 2023 سيكون بداية تحرير فلسطين و لا عزاء لحكام الهزيمة العرب.

كاتب و ناشط سياسي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.