قيس سعيد و راشد الغنوشي ومعركة التمسك بالسلطة

حين كان راشد الغنوشي و قادة حركة حركة النهضة ينادون بالتداول على السلطة كانوا كاذبين طبعا وحين ينادي الرئيس قيس سعيد اليوم بإعطاء السلطة للشعب فهو يراوغ هو الآخر ولا يقول كل الحقيقة لأنه في الواقع يزداد تمسكا بالحكم يوما بعد يوم غير عابيء بدروس التاريخ.

 بقلم أحمد الحباسي 

إلى حدّ الآن و بعد مرور ما يزيد عن أربع سنوات من بداية حكمه لم يقم الرئيس قيس سعيد بكشف أسرار أخطر الملفات التي هزّت أمن و استقرار البلاد و لم  تقدم أجهزته الأمنية و العسكرية أي جواب عن الأسئلة التي تجول داخل مخيلة المواطنين و يظهر و الله أعلم أن الرئيس لا يريدنا أن نعلم أو يخاف علينا من العلم ببعض المعطيات لأنه لا يعقل أن  تعجز كل هذه الأجهزة و رغم مرور كل هذه السنوات عن فك طلاسم ملفات مثل ملف تسفير حركة النهضة  للإرهابيين إلى سوريا و ملف اغتيال الشهيدين شكري بلعيد و محمد البراهمي وملف الجهاز العسكري السري لحركة النهضة و ملف ما يسمى بالمدارس القرآنية و ملف مقر ما يسمى بهيئة علماء المسلمين بقيادة الراحل الشيخ يوسف القرضاوي و ملف تهريب الأسلحة و تدريب الإرهابيين و تمويلهم إلى آخره من الملفات العديدة. 

أسئلة عديدة أخرى تتعلق بما حدث في جبل الشعانبي وغيره من الجبال التي كانت مقرا للجماعات الإرهابية التي نفذت عدة عمليات موجعة و أسئلة حول هوية الكوادر الأمنية التي قد تكون ساعدت الإرهابيين بالمعلومات و الحماية.

جبال متراكمة من الأسئلة الحارقة

بعد ما يزيد عن 12 سنة من تاريخ ما يسمى بالثورة لا  تزال هناك جبال متراكمة من الأسئلة الحارقة التي تبحث عن أجوبة يعلم الجميع أنها لن تأتى أبدا لأن كل من تداولوا على الحكم إلى حد الآن يخضعون للضغوط الخارجية و لهم حساباتهم السياسية و فيهم من جعل من إخفاء الحقائق وسيلة ابتزاز سياسية مثلى تجعله قادرا على ضرب هذا الحزب أو ذاك و إخراجه من اللعبة السياسة مقابل دفن أسراره القذرة إلى الأبد.

ما حدث شاركت فيه قيادات حركة النهضة و بعض الفاسدين المارقين  في الأجهزة الأمنية و القضائية و عدة أجهزة استخبارية أجنبية و ميليشيات تكفيرية ليبية و أموال خليجية قطرية بالأساس و تعاون متشابك بين الأجهزة الاستخبارية القطرية والصهيونية والتركية كما كان لبعض السفارات و الدكاكين التي مولتها المخابرات المركزية الأمريكية دورا فاعلا و مكشوفا في حدوث ما يسمى بالثورة و ما تفرع عنها من أحداث دموية لا تزال مجهولة المصدر و الأسباب.

من المؤسف حقا أن يتستر حكام ما بعد الثورة ببعض التصريحات الخائبة لتبرير عدم كشف المستور و تحمل المسؤولية و إظهار الحقيقة للشعب التونسي.

بالنسبة لحركة النهضة التي استولت على القضاء و دجنته بالترهيب و الترغيب لا جواب عندها إلا مطالبة كل من يتهمها بالإرهاب و الخيانة باللجوء إلى القضاء و بالنسبة لرئيس حركة نداء تونس الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي لا جواب عنده إلا الصبر تحت ذريعة أن الأمريكان أنفسهم لم يستطيعوا كشف قاتل الرئيس الراحل جون كينيدي إلى الآن و بالنسبة للرئيس قيس سعيد لا جواب عنده إلا انتظار انتهاء حملات تطهير البلاد من الفساد. 

مشروع حاكم متفرد بالسلطة

هكذا تعامل رؤساء تونس بعد الثورة مع أكبر قضايا الجريمة التي ضربت الاستقرار و الاقتصاد و سمعة البلاد و لذلك لا تزال الملفات الحارقة مفتوحة و لا ندرى إلى الآن أين هم الأربعين ألف انتحاري الذين هددنا بهم وزير العدل السابق نورالدين البحيري ردّا على اعتصام الغضب المطالب برحيل حركة النهضة من الحكم و لا هل لا يزال هناك فى جبل الشعانبي مرتزقة إرهابيين و هل لا يزال هناك ذئاب إرهابية منفردة أو نائمة و هل لا يزال خطر الإرهاب جاثما بقوة و من يقف وراء التفجيرات و من يكبس الزرّ لتحصل التفجيرات حسب الطلب و وفقا للأوضاع السياسية.

هناك من يريد أو يسعى إلى أن يبقى الشعب في حيرة و خوف دائمين و هناك إعلام و مخابرات و حرب إشاعات و تضليل للرأي العام و هناك طبعا من فى السلطة تخدمه هذه الحالة من الخوف حتى يبقى ماسكا بمقاليد الحكم دون منازع و لعل إصرار السيد الرئيس قيس سعيد على التمديد الدوري لحالة الطوارئ رغم تصريحات وزير الداخلية المطمئنة هو دليل قاطع على أن الرجل “يتمعش” من وضعية اللاسلم و لا حرب التي يراد للمواطن أن يعيشها رغما عنه حتى يستتب الحكم لصاحب ما يسمى بمسار 25 جويلية الذي يتعرض إلى انتكاسات كثيرة و إلى معارضة قوية من عدد من فئات الشعب التي لا ترى في هذا الرئيس إلا مشروع حاكم متفرد بالسلطة لا يؤمن لا بالديمقراطية و لا بحقوق الإنسان و لا بحرية التعبير و لا بالاختلاف.

حين كان الإخوان في حركة النهضة ينادون بالتداول على السلطة كانوا كاذبين طبعا وحين كان الرئيس قيس سعيد ينادي بأن السلطة للشعب كان يراوغ هو الأخر ولا يقول كل الحقيقة طبعا و لذلك التجأ نورالدين البحيري إلى التهديد بالأربعين ألف انتحاري (على وزن أربعين حرامي) لفرض تأبيد حكم الحركة و التجأ الرئيس إلى ضرب معارضيه و تشويه سمعتهم و لم لا  تعريضهم للموت بسبب الإضرابات الوحشية عن الطعام.

السقوط في الصفحات الرمادية للتاريخ

السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، بطبيعة الحال لا يمكن لمثقف مثل الرئيس قيس سعيد أن يتجاهل هذه المقولة الشهيرة لكنه و مع ذلك يسعى بكل قوته إلى التحكم الكامل في كل مفاصل الدولة مستغلا انقلابه الصريح على مقتضيات دستور كان قد أقسم – يوم تسلم مقاليد الحكم – على احترام بنوده و تطبيقها التطبيق الحرفي السليم.

نفس الشيء فعل مرشد الإخوان الشيخ راشد الغنوشي حين احتكر قيادة حركته لمدة تفوق الأربعين سنة رافضا كل دعوات التخلي وحين نكث تصريحه ليقدم نفسه لانتخابات مجلس الشعب ثم  إلى رئاسة الدولة لو لعبت الأقدار لفائدته و لم يسقط ذلك السقوط المدوي ليلة قرارات الرئيس قيس سعيد 25 جويلية 2022. 

التاريخ دروس و عبر هكذا يوجز العلامة عبد الرحمان ابن خلدون صفحات التاريخ و رغم أن كلا راشد الغنوشي و قيس سعيد قد بلغا من العمر عتيّا  فالظاهر أنهما لم يحسنا فهم هذه المقولة و استخلاص العبرة منها و لا يزالان كل بطريقته يبحثان عن التمسك بتلابيب السلطة دون أن يكترثا بكيفية حتمية السقوط في الصفحات الرمادية للتاريخ.

كاتب و ناشط سياسي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.