تونس : بأي ذنب يسأل الصحفي محمد بوغلاب ؟

 ما يحدث ضد حرية التعبير و الإعلام في تونس اليوم مخيف و يدعو إلى طرح عديد الأسئلة و يستدعى كثيرا من الموضوعية و عمق التحليل  بحثا عما يتم تدبيره لتكميم الأفواه و ما قد يقوم به القضاء – عن حسن أو سوء نية – امن دور سلبي جدا في هذا الاتجاه.

 بقلم أحمد الحباسي

أحد الأسئلة المطروحة اليوم بإلحاح شديد تتعلق بمدى حرص الدولة على حرية التعبير و فسح المجال أمام الرأي المعارض للتواجد و ممارسة دوره كرافد لا غنى عنه من روافد الديمقراطية كما نراها مجسمة في عديد البلدان المتقدمة. 

في كل بلدان العالم لا يمكن لدولة ما أن تزعم أو تدعي أنها الوحيدة القيّمة على حقوق التعبير وأنها الوحيدة التي تقدر نسبة ما يستحقه شعبها من جرعات الديمقراطية وهل أن ما وصل إليه من هذه النسبة كاف بل أن الدول المحترمة نراها دائما تستنير و تدرس و تطبق ما تكشفه تقارير و توصيات  المنظمات و الهيئات الدولية ذات العلاقة و تسعى جهدها إلى أن ينال شعبها على أعلى معدلات حرية التعبير.

 منذ 2019  و بداية حكم الرئيس قيس سعيد بدأت المساحة المتعلقة بحرية التعبير و كتم أصوات الإعلام و ضرب الأقلام و الألسنة الحرة المعارضة تضيق بشكل غير مسبوق منذ تورة 2011 مقابل حالة تفرد بالحكم تثير الانزعاج في دولة ظن بعض المتفائلين أنها أول دولة عربية أنجزت ثورة  ستمضي بها نحو الديمقراطية و حرية التعبير.

ضرب واضح لحرية الإعلام

الذين يتراقصون على مدار الساعة في عديد وسائل الإعلام مثل السادة نجيب الدزيري و رياض جراد على سبيل المثال لا يخجلون من القول بأن هذا الشعب لا يساس إلا بالعصا الغليظة و أنه من حق الرئيس أن يستولي على كل السلطات ويتخذ كل القرارات حتى لو كانت متعارضة مع النصوص الدستورية و القانونية بل أن هؤلاء لا يخجلون من اعتبار ما يحصل من ضرب واضح لحرية الإعلام هو من بشائر الحكم المتبصر الذي لا يـأتيه لا من أمامه و لا من خلفه.

لو أردنا مثلا قراءة المشهد بموضوعية تامة  فإنه يجب البدء  بقراءة قانونية حقوقية  للمرسوم عدد 54 لسنة 2022 المؤرخ في 13 سبتمبر 2022 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات و الاتصال و لعل أول ما يجب الانتباه إليه دائما عند إصدار المراسيم و القوانين هو عامل التوقيت الذي صدر فيه المرسوم المذكور وهي فترة تلت الانقلاب على الدستور بما تبع ذلك من استيلاء السيد الرئيس على كل  السلطات في ظل عدم وجود محكمة دستورية ووجود قضاء مبتور مضغوط عليه يتعرض إلى حملات تخوين صريحة و على الملأ من أعلى سلطة في البلاد بغاية تطويعه تماما كما فعلت حركة النهضة و ما سمى في حينه بقضاء نورالدين البحيرى.

تعتبر نقابة الصحفيين مثلا أن المرسوم عدد 54  فصل جديد من فصول التضييق على حرية التعبير في حين اعتبرت منظمة “أنا يقظ ” هذا المرسوم نصا يضع سيف القمع و الخوف على رقاب المواطنين و الصحفيين و يؤسس لرقابة تمس من الحقوق الأساسية للإنسان لكن منظمة “بوصلة” كانت أكثر جرأة و فصاحة حين اعتبرت أن تونس بهذا المرسوم قد دخلت نادي الدول المعادية لحرية التعبير تحت غطاء كاذب اسمه مكافحة الجريمة الالكترونية.

نص إحالة على مقاس كل واحد

 صحيح أن السيد محمد بوغلاب قد تم إيقافه و إحالته وفق نص احالة غامض و ملتبس و حمّال لأوجه كثيرة و قابل للتمطيط و ذلك وقع مع غيره من عديد الإعلاميين لكن اتضح بالخبرة  و الممارسة أن هناك حملة منظمة تستهدف إعلاميين بعينهم و أن المشكلة لم تعد في استنباط و خياطة نص إحالة على مقاس كل واحد منهم بل في الهدف النهائي من كل هذه الحملات و التي يجمع المتابعون أن المقصود منها هو إسكات الأصوات التي تنتقد مسار 25 جويلية 2021 وهو ما تؤكده السيدة كوثر زنطور مديرة تحرير “الشارع المغاربى” التي ترى أن المرسوم 54 هو نص عقابي و ترهيبي مهدد لحرية التعبير بل تذهب إلى أبعد من ذلك باتهام السيد الرئيس بصورة مباشرة بكونه معاد للإعلام التونسي بدليل أنه يرفض إجراء أي حوار مع أية وسيلة إعلامية تونسية.

بمراجعة التصريح المنسوب للسيد محمد بوغلاب الذي رأت فيه النيابة العمومية مسّا من إحدى الوزراء فإنه لا يمكن لعاقل أن يوافق رأى النيابة لأن كلام الصحفي يدخل في باب حرية التعبير و في باب المهنة الصحفية و فضح التصرف غير السليم في أموال المجموعة الوطنية و لا يستحق كل هذه الضوضاء التي تمس من سمعة تونس.

تصاعد حملات الإيقاف بوه على خوه

منذ ساعات فقط قررت الدائرة الجناحية بالمحكمة الابتدائية بتونس التى تنظر في التهمة الموجهة ضد السيد محمد بوغلاب رفض مطلب الإفراج عنه – وهو في المستشفي منذ أسبوع دون علم محاميه و أفراد أسرته – و أجلت القضية ليوم 17 أفريل 2024 بما يعني أن الرجل سيقضى العيد وراء قضبان السجن بعيدا عن عائلته التي ستحبس فرحتها بالعيد كل ذلك بسبب كلمة أو عبارة أو تدوينة ربما اعتبرتها النيابة جريمة كبرى تستحق مصادرة حرية شخص مريض كغيره في مثل سنه بكل أمراض الدنيا كما تستحق تحويل مناسبة دينية تتعانق فيها قلوب المؤمنين بالتسامح إلى يوم حزين تدفع فيه عيون هذه العائلة حزنا و فزعا و إحباطا.

هناك سؤال لا بد من طرحه : لماذا تجرى الأحداث بهذه الشاكلة و لماذا تشعر بتعمق إحساس متصاعد بأن هناك من يدفع بالمواطن أيا كان موقعه إلى حافة الإحباط و الانهيار و كراهية هذا الوطن؟ لماذا تتصاعد حملات الإيقاف بوه على خوه و بشكل عشوائي؟

لنقلها بمنتهى الشفافية و الوضوح : السيد الرئيس الذي يملك كل السلطات عليه أن يتفضل بفرملة هذه الحملات و الإيقافات  التعسفية و مراجعة سياسته في هذا المجال لأن الأمور قاربت الانفلات.

كاتب و ناشط سياسي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.