الرئيسية » تأبين/ الشاعر منصف المزغني في “محاولة سريعة لقول وداعًا … للفنان عادل مقديش”

تأبين/ الشاعر منصف المزغني في “محاولة سريعة لقول وداعًا … للفنان عادل مقديش”

على اثر وفاة صباح أمس الخميس 27 جانفي 2022، عادل مقديش، من أهم الفنانين التشكيليين التونسيين و العرب الذي اهتم بالسريالية و بالتصوير الخيالي، كتب الشاعر منصف المرزوقي النص التالي في تأبين للفنان… الراحل:

1- عادل مقديش ، فنّان تونسيّ عربي افريقي ، عالمي ،ولد في صفاقس 1949 وفقدناه صباح الخميس 27جانفي2022، وهو الذي عاش للفنّ التشكيلي ، مواظبًا على المغامرة ، وعاملاً دؤوبًا صنع اسمه ورسمه وأسلوبه ، وكان يزداد جودة وصناعة مع الأيّام وعلى مرّ الأعوام .
2-
من تابع مسيرة عادل مقديش، في بداياته ، في سبعينات القرن العشرين ، في مدينته صفاقس ، لاحظ أنّه كان واقعًا تحت الحالة السوريالية ، وبه رغبة في النجاة من أي تأثير ، ولم يلبث أن صنع نفسه التشكيلية الخاصة.
بل يمكن القول انه ، ومنذ البداية ، كان يسبح في مناخاته التشكيلية ، كأنها إقليمه الروحي المبحوث عنه ، وقد وجده في رحلة الصبر التشكيلي ، وجرأة التجريب .
ووحده انخرط عادل مقديش منجذبا ، مثل درويش صوفيّ إلى رسم الوجوه ذات الملامح الافريقية العربية ، لا بألوانها وحسب ، بل أضاف اليها ما في روحه من عشق لتلك التفاصيل ( أكاد اقول الروائح والتوابل ) التي عرفت بها الجماليات الافريقية ، والتفاصيل الدقيقة في رسم ملامح الوجوه بألوان ذات عطور وملامح انسانية خالصة العشق.
3-
كان لا بد للفنان عادل مقديش أن يلتقي والاستاذ الاكاديمي المرجعي في السيرة الهلالية عبد الرحمان أيّوب ( مجنون السيرة الهلالية ) حتّى يخلّدا بالنصّ والرسوم سيرة بني هلال في حلّهم وترحالهم ، بالالوان حينا ، أو بالاسود على الابيض فقط .
4-
كما كان من حظّ عادل مقديش أن يفوز في حياته بناشر من فئة العشاق المؤمنين باسلوبه في الفن ، مثل : الدكتور عيد الرحمان ايوب صاحب ( دار النشر المعروفة باسم ( أبحث عن تبر الزمان je cherche l’or du temps ) ،
وكان عبد الرحمان أيوب مغامرا في نشر رسوم عادل مقديش ، ولوحاته المخلدة لحالات العشق بجماليات هلالية مقديشية خالصة ، وطبعها في طبعة استثنائية ، خاصة ، محدودة العدد ومرقّمة . وهكذا ، سعى أيّوب بصبر الناشر النادر الى ان يحفظ تراث مقديش التشكيلي ، وينشره في لوحات منفصلة ضمّها سفر استثنائيّ القطع ، طولا وعرضا ، وجودة طباعة .
5-
عاش عادل مقديش محظوظا ، بعد ان جعل الناشرين يرغبون في نشر أعماله في كتاب فاخر ، عالي الكلفة :
هكذا نهضت دار شريط ،توزر / تونس ،بنشر مجلد فخم من القطع الطويل ( 34/ 25 ) عام 1996 في 203 من الصفحات المزدانة برسوم عادل مقديش وتقديم الاستاذ حبيب صالحة .
ثمّ كان من حظّ عادل مقديش ومكتبة الفن التشكيلي بتونس والعالم ، ان أغناها بكتاب آخر عام 2007 في 303 صفحة ، بالقطع الكبير السابق ذكره ، وبتقديم من الاستاذ حمدي الحمادي وصدر عن دار اليمامة ،تونس .
والمثير في لوحات عادل مقديش انها كانت تغري الناشرين ، والشعراء واهل الادب ، وكانوا يختارونها لتزيّن أغلفة عدد من الكتب ، وحتى أغلفة منشورات الكثير من المؤتمرات الادبية والعلمية .
6-
عاش عادل مقديش طول حياته كثير القلق وطويل الصبر في تنفيذ عمله الجمالي الاستثنائي الذي لم يشبه إلاّ : عادل مقديش ،،،
وأتخيّله الآن وهو
يدخل المكتبة التشكيلية التونسية والعالمية باحثا عن لون أفلت من قبضة ،،، ريشته .
ولا أحسب الفنّان عادل مقديش إلّا طائرا إلى عالم ، لعلّه العدم الابيض ،
ولكن ، في وجودنا الحيّ ، يبقى فنّ الرجل علامة ملوّنة ومسجّلة وأسلوبًا مميّزًا يشير إلى :
فنّان صفاقسيّ الروح مثابرة وصبرًا ، و تونسيَّ الريشة والجسد ، وعربيَّ الهوى ، هلاليّ النزعة ، وافريقيّ الالوان الحامية والحارة ،وأمميّ الحضور .
نكاد نشمّ روائح تونس وعطورها الافريقية، ونلمس المشغولات الفضيّة ، والازياء النسائية والرجالية التقليدية ، ويخطفنا الكحل في العيون العسلية ، والبشرة البنية الغامقة . وهي تنظر لمن يراها في لوحات من الالوان الشفيفة العامرة بمهرجان إنسانيّ الآفاق ، كان، في سابق الزمان ، يديره عادل مقديش .

شارك رأيك

Your email address will not be published.