تونس : حديث في أسس الدولة و جدارة المسؤولية

الدولة الحديثة في تونس لم تقم غداة استقلال البلاد في عام 1956 على الشعارات و الثرثرة السياسية، بل على برامج اجتماعية واقتصادية قائمة بذاتها. برامج ومخططات عملت على توجيه نشاط الدولة وترتيب قيمها، وتحقيق الوطنية عبر تنظيم المجتمع وتكوينه.

بقلم العقيد محسن بن عيسى

أيكون واجبا عليّ – في ذكرى عيد الجلاء الذي احتفلنا به أمس السبت 15 أكتوبر 2022- التذكير بأنّ ” الدولة” قد صارت في الوقت الراهن هاجسا يعذّب المواطن ومحنة يعيشها كل وطني، وأنّها لم تولد بالصدفة، بل ولدت محمّلة بذاكرة مليئة بالتضحيات والانتصارات. ولم تقم على الشعارات، بل على برامج سياسية واجتماعية واقتصادية قائمة بذاتها. برامج ومخططات عملت على توجيه نشاط الدولة وترتيب قيمها، وتحقيق الوطنية عبر تنظيم المجتمع وتكوينه.

قوة الكلمة

الثورة فعل تأسيس، وهذا لم يحصل لدينا ولم يتبلور في هذا السياق وعي المواطنين ويرتقي اصطلاحا ومجازا. هناك حالة ثرثرة سياسية شبه عامة أصبحت فيها الجمل صامتة مأكولة من الداخل، يابسة وبلا روح. نسي البعض أنّ في كل خطاب أو مداخلة هناك جملة واحدة، تأسر المستمع أو المتلقّي، وبقية الجمل لا تزيد عن كونها أدوات خطابية او حوارية خادمة لها وراعيه لدلالاتها.

هذه الجملة في رأيي اليوم هي “جدارة المسؤولية”، فهي نقطة الضعف ولب الموضوع في هذه المرحلة. جملة تصلح لأن تكتب على لافتة كبيرة وتعلق في شوارعنا وإداراتنا ومؤسساتنا من الشمال الى الجنوب تذكيرا بحال واقعنا وعبرةً.

لقد درج الناس إلى التعامل مع الواقع المعاش بعقليات متباينة بتباين الزوايا التي تنظر منها كل جهة. ولكن كيف ما كان فالخطب والحوارات الجارية لا تساعد المواطن والمجتمع على الاستجابة بصورة أفضل لنداء الدولة نحو “التقدم”.

من الصعب تنمية القيم السياسية والأخلاقية ورعاية المجتمع والاهتمام به، وتوسيع دائرة الطبقة الوسطى أمام حصيلة الهزائم السياسية، وقوارب الموت، والمخدرات، والبطالة، والعنف، والفقر، وصراع الأحزاب، والمؤامرات، والإرهاب، والمصالح الشخصية، والخيانات الناعمة، وتراجع جدارة المسؤولية.

قانون الغاب

هناك حاجة للحفاظ على التوازن العام وتجنيب النظام الاجتماعي السقوط تحت سيطرة قانون الغاب الذي يُبنى على أكل القوي للضعيف. هكذا تكوّنت رجال المصالح والسماسرة في الدول الفاشلة والمؤهلة للانهيار، وهكذا يقع التمهيد لثورة الجياع أو الفقراء في المطلق. السياسة هي وصل ما انقطع وإنتاج وحدة وطنية عبر المشاركة السياسية لا في مفهومها، بل في واقعها العملي.

يبدو أنّ الإنجاز السياسي تحوّل عن معناه الأصلي، ليصبح كلاما لا يختلف عن الاتهامات المتبادلة.. كلام في كلام.. فراغ في فراغ. ليس الاختلاف هو المشكلة، بل هو العجز عن التسوية. ويشهد الواقع أنّ المسألة البالغة الخطورة في هذه المرحلة هي قلة الخبرة وتواجد أسماء غريبة عن الإدارة وحديثة عهد بالسياسة.

لا سبيل لمجابهة الأوضاع الحالية وتحقيق الرفاه الشخصي والمعنوي إلا بالعودة إلى تكريس جدارة المسؤولية عبر أصحاب الخبرة والعلم والإخلاص للوطن ومصالحه العليا.

ضابط متقاعد من سلك الحرس الوطني.

                                                                                                

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.