طايع الديب يحكي “عن السرقة العبيطة التي وقع فيها صناع الحشاشين”

انتقد الأستاذ طايع الديب أول أمس مسلسل “الحشاشين” و يقول أن الأحداث تكاد تكون “ملطوشة”و أن “الخرافة” تعود إلى الروائي الفرنسي من أصول لبنانية أمين معلوف… و في ما يلي ما نشره:

“السرقة العبيطة التي وقع فيها صُناع “الحشاشين”!

شاهدت حلقة ونص من مسلسل “الحشاشين”، أهم مسلسلات رمضان هذا العام. ولم أتحمس لاستكمال المشاهدة، فقد وجدت أنه رغم الإبهار التقني العالي والإمكانيات الكبيرة، فإن أحداث المسلسل تكاد تكون “ملطوشة” حرفيا من خرافة اخترعها الروائي الفرنسي أمين معلوف (لبناني الأصل) في روايته “سمرقند”، وهو ما يعني أن المسلسل برمته مسروق، وأن أحداثه ليست من “وحي التاريخ”، كما هو مُعلن، بل هي من “وحي” أمين معلوف!
وبصرف النظر عن “التصرفات” التي أدخلها مخرج المسلسل بيتر ميمي، وهو اسم يصلح لكوافير حريمي، فإن الخرافة المبني عليها العمل هي أن حسن الصباح وعمر الخيام وأبو علي الطوسي “نظام الملك” كانوا أصدقاء طفولة، الأمر الذي ينسفه نسفا كون الصباح أكبر من الخيام بـ 11 سنة. والحقيقة أنهما لم يلتقيا أبدا.
أمّا عن علاقة حسن الصباح بالوزير نظام الملك، فهي علاقة استمرت لمدة سنة واحدة فقط، عمل فيها الصباح في ديوان السلاجقة لضبط حسابات الديوان. فقد كان الرجل داهية، وعالما في الرياضيات والحساب، وزاهدا. ولم يكن كما تم تصويره “سفّاحا” على الإطلاق.
وعندما علم السلاجقة أنه باطني، كادوا يقتلونه. فهرب ليلا عبر الجبال إلى أصفهان، ولم يعد مرة أخرى إلى نطاق سيطرة دولة السلاجقة.
معنى ذلك، ببساطة، أن المسلسل “تأليف على تأليف”، وهو أمر لا يجوز مطلقا في شريعة الفن والكتابة، وخطيئة قد يلخصّها قول أولاد البلد: “بيألّف في المتألف!
وأمّا الخرافة الثانية، فقد ظهرت في أول مشاهد المسلسل، عندما ألقى أحد أتباع الصباح نفسه من فوق أسوار قلعة “آلموت”، ومعناها بالفارسية “مثابة العُقاب”. وهي أيضا أكذوبة اخترعها هذه المرة الرحالة الإيطالي ماركو بولو، الذي جاب أصقاع العالم القديم في تلك الحقبة الزمنية الغامضة، وكتب كتابا ضخما مازال يُطبع في أوروبا حتى اليوم، رغم أن معظم ما جاء فيه كان سماعيّا، ومستقى من خرافات وأساطير العامة وقتها.
والمفاجأة الكبرى، التي أؤكدها هنا، هي أن اسم جماعة “الحشاشين” التي تأسست في القرن الحادي عشر، ليس مأخوذا من مخدر الحشيش كما يُشاع، بزعم أن الصباح كان يقدّم لأتباعه الحشيش والفتيات الحسان كأنهن الحور العين، لكي يوهمهم أنهم في الجنة، وأن لديه هو مفتاح الجنة!
الحقيقة، أن سكان قلعة “آلموت” كانوا يعتمدون في معيشتهم على زراعة النباتات الطبية وبيعها. وكنا نحن أهل القرى الفلاحين ونحن صغار، نسمي نباتات الأرض باسم “الحشيش”، لأن الفلاح “يحشّها” عند حصادها بالمنجل. لذلك سُميّت الطائفة “الحشيشيّة”، ثم تحوّر الاسم بعد ذلك إلى “الحشاشين”، خصوصا في كتابات المؤرخين السُنة أعداء الفرق الباطنية.
وثالثة الأثافي، كما تقول العرب، هي أن المسلسل وقع في أخطاء تاريخية أخرى ما كان ينبغي أن يقع فيها عمل توفرت له كل هذه الإمكانيات. وذلك حين ظهر رسول “ملك فرنسا” كما كُتب على الشاشة في أول مشهد، مع أنها كانت تُسمى في القرن الـ 11 “مملكة الغال”. ولم يُعرف اسم فرنسا إلا في الرابع العشر!
هذه بعض الملاحظات على “أباطيل” المسلسل. وأُحيل القارئ الذي يريد الاستزادة من الحقائق – لا الخرافات- إلى كتب علمية كثيرة، منها كتابات البروفيسور فرهارد دفتري، وبرنارد لويس، ورحاب عكاوي، ود. محمد عثمان الخشت، عن طائفة “الحشاشين”. وهي متاحة على الإنترنت. الكاتب عبد الرحيم كمال.

شارك رأيك

Your email address will not be published.