أين اختفى الاتحاد العام التونسي للشغل؟

 حين يتمعن المتابع في المشهد السياسي يلاحظ بكل يسر غياب الاتحاد العام التونسي للشغل و لولا بعض البيانات اليتيمة التي تأتى من باب تسجيل الحصور و رفع العتب لظن البعض أن الاتحاد قد بات مجرد أثر بعد عين و أن ما كان يمثله هذا الهيكل من قوة تعبئة و ضغط نقابي و سياسي كان سببا في مرات سابقة في إسقاط حكومات و تغيير أو فرض وزراء قد بات من أوراق التاريخ الصفراء.

 بقلم أحمد الحباسي

بطبيعة الحال لا يختلف اثنان أن الاتحاد يعانى من ترهل في القيادات و الأفكار و الوضوح في التوجهات و بالذات من فقدان تام للمبادئ النقابية التي أرساها الزعيم الخالد المرحوم فرحات حشاد و هناك قناعة مستقرة لدى المتابع أن اتحاد السيد نورالدين الطبوبي يشهد انتكاسة كبرى على كل الأصعدة و الرجل يحاول بما يملك من خبرة مشكوك فيها أن يدير الزوايا و يمسك حبل العلاقة مع السلطة من الوسط في انتظار تبدل الأحوال.

الاتحاد اليوم هو مجموعة مواقف متنافرة و قيادات تركت العمل النقابي الصرف لتتلهى بالبحث عن الطريقة المناسبة للتخلص من الأمين العام دون أن تفقد مواقعها و دون أن يكتشف أمرها.

خراب الاقتصاد و ضياع الحقوق الفعلية للشغالين

حين ترك اتحاد الشغل  الرئيس قيس سعيد يستفرد بالحكم  بعد الانقلاب على الدستور عام 2021 و حين ظن الأمين العام للاتحاد و قيادته المنقسمة أنه بالتبرؤ من أخطاء قياداته الذين طالتهم شبهات الفساد أو كونهم قد أصبحوا جزء فاعلا من منظومة الفساد في عدة قطاعات مثل التربية و الصحة و النقل على سبيل الذكر لا الحصر قد وضع حدّا لكل الاتهامات و حالات الغضب التي عمت الشغالين الذين باتوا ينظرون إلى محاولة التعتيم على ملف أموال الاتحاد و ما يتمتع به البعض من امتيازات مختلفة دون مبرر فهو قد سقط في الخطأ و سوء التقدير و بات موضع مساءلة  نقابية و ربما قضائية  بعد أن كشف السيد الرئيس على عزمه المستميت على فتح كل الملفات ومساءلة الجميع دون تفصيل.

اليوم هناك من يتحدث عن حملة مدبرة ضد الاتحاد لكن العارفين يعلمون أن مثل هذا الخطاب التمويهي لم يعد ينطلي على أحد و أن المطالبة بمساءلة  كل قيادات الاتحاد قد باتت مجرد وقت و أن الرئيس عازم  بقوة على  كسر آخر الأسوار العاتية التي يراها سببا بمواقفها العنترية و مطالبها المجحفة في خراب الاقتصاد و ضياع الحقوق الفعلية للشغالين.

حين ينادى السيد سمير الشفي الأمين العام المساعد بأن تكون المنظمة العمالية شريكا حقيقيا في رسم سياسات الدولة و في رسم مسار ديمقراطي حقيقي  فهو يسعى إلى مغالطة الرأي العام لان من يسعى إلى الشراكة لا يستغل الأوضاع الاقتصادية المنهارة التي تسبب فيها حكم حركة النهضة لمزيد الضغط على حكومة مفلسة لفرض زيادات خيالية لقطاعات مهنية قادرة  على مواجهة صعاب كلفة المعيشة مثل  التعليم و لا يقف للمطالبة بالإفراج عمن تسببوا في الوضع الحالي المتأزم في البلاد مثل الشيخ راشد الغنوشي و من والاه من مرتزقة السياسة المنضوين تحت مظلة مشبوهة اسمها جبهة الخلاص الوطني و لا يطلق أيادي قياداته  “النقابية” للوقوف ضد محاسبة الفاسدين فى عدة مؤسسات أو قطاعات و لا يرفض محاسبة قياداته على شبهات الفساد و سوء التصرف.

مشروع الديمقراطية بات حصان طروادة يخفى كل الخبائث السياسية

إن رسم مسار ديمقراطي حقيقي يبدأ بالكنس أمام البيت و معلوم أن الديمقراطية ليست لعبة للتسلية بل هي ممارسة حقيقية متواصلة و الاتحاد بقياداته الحالية غير قادر على ممارسة اللعبة الديمقراطية أو  في رسم مسار ديمقراطي جعلت منه الأجيال مشروعا و حلما فبات اليوم حصان طروادة يخفى كل الخبائث السياسية لبعض من أضمروا شرا لهذه البلاد و مارسوا خفية و علنا كل  دسائسهم الخبيثة  للبقاء في واجهة الاتحاد .

على عكس ما يظن البعض فان الاتحاد و بصرف النظر عن الشعارات الرنانة التى يرفعها منذ سنوات لا يملك مشروعا اقتصاديا متوازنا و لا رؤية اقتصادية ملموسة و لا علاجا لأزمات المؤسسات المشرفة على الإفلاس بل كل ما هناك هو حالة تجميع أرقام مع أفكار إنشائية مغلفة ببعض الأمثلة الهلامية مع بعض الشعارات.

من جهة أخرى الاتحاد شريك في سقوط الاقتصاد و إفلاس الدولة و الجميع يعلم أن تعيين كثير من الوزراء لا يمر إلا من بوابة الاتحاد  لكن الغريب أنه لا أحد في قيادة الاتحاد يعترف بأن أكثر الوزراء الذين عينهم الاتحاد في كل حكومات الثورة قد كانوا عنوانا صارخا للفشل و يتحملون جزءا كبيرا من انهيار الاقتصاد و ارتفاع كلفة المعيشة و تراجع نسبة النمو و ضعف الإنتاج.

لقد فشل قيادة الاتحاد في أن تجمّع حولها القوى الحية في البلاد  و لم يعد الاتحاد قبلة كل شخصية سياسية تريد دخول المعترك السياسي و كل من نراهم اليوم هم بقايا التجارة السياسية و مبدلي اللحية بلحية كما يقال و بعض الذين مارسوا السياسة و فقدوا معركة الشرف لذلك يتساءل المتابعون أين اختفى اتحاد فرحات حشاد؟

كاتب و ناشط سياسي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.