الرئيسية » عندما يكتب بن سلامة على هامش منع السفر عن وزير سابق .. وعن المنظمومة القانونية بعد انتخابات أكتوبر 2011

عندما يكتب بن سلامة على هامش منع السفر عن وزير سابق .. وعن المنظمومة القانونية بعد انتخابات أكتوبر 2011

قال العضو السابق للهيئة العليا المستقلة للانتخابات سامي بن سلامة ان جدلا حادّ ا انطلق بعد  منع وزير داخلية سابق من السفر من قبل دوائر قضائية متخصصة نص عليها قانون العدالة الإنتقالية يشخصن الموضوع بين متعاطف ومتشفّ.

واشار بن سلامة في نص كتبه على هامش هذه الحادثة ان انحرافا كبيرا حصل في مسار الانتقال إلى الديمقراطية ومن المستحيل أن تنشأ ديمقراطية على أسس مخالفة الدستور والقوانين وعلى فلسفة لا ترى حرجا في التلاعب بها.
وفيما يلي النص الكامل لسامي بن سلامة :
منع وزير داخلية سابق من السفر من قبل دوائر قضائية متخصصة نص عليها قانون العدالة الإنتقالية، فاندلع كالعادة جدل حادّ يشخصن الموضوع بين متعاطف ومتشفّ. وانطلقت التبريرات والتفسيرات والشطحات وطفق كلّ يبّرر رأيه انطلاقا من نظرته المتعاطفة مع الوزير الأسبق ورغبته في انقاذه أو المناوءة له ورغبة في معاقبته.
مع أننا وفي النهاية سنكتشف أن المسألة وببساطة شديدة لا تتعلق بالعدالة الإنتقالية بالذات ولا بإطارها القانوني بل بكامل الإطار القانوني الجديد وبجميع المنظومة القانونية التي تم وضعها بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011 مباشرة من طرف حركة النهضة والتي طبقت رؤيتها في الإستيلاء على الدولة  لخدمة مصالحها الحزبية الضيقة والتي لا علاقة لها بالمصالح الوطنية العليا.
لقد تأكد الجميع اليوم بأن انحرافا كبيرا حصل في مسار الانتقال إلى الديمقراطية ومن المستحيل أن تنشأ ديمقراطية على أسس مخالفة الدستور والقوانين وعلى فلسفة لا ترى حرجا في التلاعب بها.
إذ أن جميع التشريعات التي سنت بعد 23 أكتوبر 2011 تقريبا، تشكو من تضمنها فصولا تخالف المبادئ العامة التي تحتويها المنظومة القانونية الكونية وللأغلب العهود ومن أهمها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.فقد أتت منظومة سياسية جديدة بمكونات قديمة رافعة لواء الحرية والتخلص من الاستبداد وبناء جمهورية ثانية على أنقاض الجمهورية الأولى المبنية على الاستبداد والفساد.
وبعد 23 أكتوبر وانتخابات التأسيسي وتسلمها السلطة مباشرة انقلبت على تلك الشعارات إذ أن من أخطر ما حصل هو التهاون والتساهل في وضع النصوص التشريعية طبقا لمنطق ”الغاية تبرر الوسيلة“وفي تطبيقها فيما بعد بطرق لا تراعي أبسط قواعد التطبيق السليم. فتم استعمال الدستور وقوانين الجمهورية لتحقيق مصالح ذاتية وحزبية ضيقة وبذلك انقلبت المنظومة الجديدة على شعاراتها وأصبحت تنتج قوانين مخالفة لأبسط المبادئ الكونية للقانون وللدستور وحتى للقوانين التي وضعتها.
ولما يقتضي الأمر يتم اللجوء إلى تأويلات بهلوانية ما أنزل الله بها من سلطان خدمة للمشروع السياسي او للضغائن وأحقاد مكوناتها أو لتصفية حساباتها مع خصومها وتصفية خصومها وخاصة لابتزاز المتورطين من عناصر النظام السابق.
لما تخرق منظومة جديدة تسلمت السلطة لتوها في تونس وبكل صلف مبادئ انسانية وكونية لا نقاش فيها ولا اختلاف وتضمّن تلك الخروقات في قوانين تضبط الوضع السياسي ومن المفترض أن تسهل عملية الانتقال لديمقراطي، فإن الخلل لا يتعلق بإجراءات ولا بأشخاص معينين تعرضوا لهضم حقوقهم بل بكامل المنظومة التي تصبح في عداد الأخطار المحدقة بمستقبل العملية السياسية في تونس.
وهو أمر قد يمكن التعتيم عليه لفترة ولكنه لا يمكن أن يستمر طويلا.ولا ضرورة لسرد القوانين التي تتضمن إخلالات وأخطاء ومخالفات لأبسط المبادئ القانونية العالمية ومن أبرزها قانون هيئة الحقيقة والكرامة وقانون هيئة الانتخابات وقانون المجلس الأعلى للقضاء وكلها قوانين فرضت من قبل حركة النهضة في إطار بسط سيطرتها على السياسة والمجتمع فضلا عن الدستور ذاته.
فالمسألة لا تتعلق بتفصيلات وجزئيات مبثوثة هنا وهناك بل تتعلق بترسانة كاملة من التفاصيل وضعت بسوء نية ويستحيل معها لمسار الإنتقال الديمقراطي أن ينجح ويتطور وأن يؤدي إلى إنشاء ديمقراطية حقيقية.
وطالما لم يتم تفكيك ذلك البناء المنهجي ستتواصل معاناة الشعب التونسي من الإنحرافات وستتفاقم الخلافات وسيتأثر المسار وقد يحدث ما لا يحمد عقباه عندما نصل إلى درجة لا يمكن فيها إصلاح الدستور والقوانين إلا بالنزول إلى الشارع.لا يمكننا ومهما كانت المبررات ومهما كان الدعم الدولي لطرف سياسي مهيمن خرق مبادئ قانونية متعارف عليها دوليا وانتظار استواء الطبخة الديمقراطية وأبرزها:
  • حجية الأمر المقضي فيه الذي يكفل اتصال القضاء ويمنع محاكمة أي شخص مرتين من أجل نفس التهمة.
  • مبدأ عدم رجعية القوانين لكي لا توضع قوانين تمس من استقرار وضعيات قانونية سابقة أو تمس من الحقوق المكتسبة أو لتنتقم من أشخاص معينين.
  • الحق في التقاضي أو الطعن في قرارات السلطة وقد حصلت سنة 2014 فضيحة من أبرز فضائح القرن إذ منع الحق في التقاضي في تونس لما تم إقرار التحصين التشريعي لقرارات لجنة الفرز في المجلس التأسيسي لكي يستحيل الطعن فيها أمام القضاء الإداري.
أو مخالفة ممارسات تعتبر ممارسات مثلى في الديمقراطيات الراسخة فضلا عن تلك التي تخطو خطواتها الأولى وأهمها:
  • عدم تغيير القوانين سنة الانتخابات وهي ممارسة مرفوضة وفق المعايير الدولية إذ تؤدي إلى التلاعب بمنظومة الإنتخابات وتجييرها لتحقيق مصالح خاصة.
  • عدم ارتكاب جرائم مخلة بالشرف للترشح للانتخابات لتمكين أصحاب السوابق ولو لم يسترجعوا حقوقهم بعد من الصعود إلى مواقع منتخبة وهو ما حصل سنة 2014 في القانون الإنتخابي الذي وضعته حركة النهضة إذ تم حذف ذلك الشرط مما يسمح لمتهمين محكوم عليهم بالإرهاب مثلا من تولي مناصب عن طريق الإنتخاب..
لقد أنشأت حركة النهضة بمساعدة من تحالف معها سنة 2011 وكذلك سنة 2014 منظومة فاسدة جديدة لا تختلف عن منظومة الاستقلال التي حافظت على الأقل على المظاهر في بعض الجوانب ولم تكن بمثل تلك المباشراتية والإستهتار.أدى ذلك إلى انتشار عقلية الإستهتار بالقوانين وإحتقارها وإلى ضرب المنظومة العدلية وإختراقها وإلى إضعاف الإستقرار المجتمعي وإلى ممارسات مافيوزية نتيجة تكريس غياب المساءلة والمحاسبة والعقاب وسيؤدي إلى الفوضى في نهاية الأمر لأنها لن تؤدي قطعا إلى إنشاء ديمقراطية.
لن أتحدث عن العدالة الإنتقالية لأنها جزء من كلّ، وما أعلمه فقط هو أن الغاية من سلك هذا الطريق كانت واضحت وجلية وهي تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة كجائزة كبرى لتونس.
فهل هنالك من عاقل يقدر اليوم على أن يؤكد لنا بأن هنالك مصالحة ستتحقق بهيئة مكلفة بالعدالة الانتقالية تابعة في جل أعضائها إلى حركة النهضة وتخرق القوانين وترفض تطبيق أحكام القضاء وتطرد أعضاء مجلسها وتتخذ القرارات بدون نصاب قانوني وبعد انتهاء المدة المحددة لها قانونا ؟إ
ن الوضع برمته مختلّ..ولكن ومع كل ذلك تجد من لا يقدر الأمر حق قدره ولا يلتفت للعواقب المحتملة من الفشل في بناء ديمقراطية حقيقية ومن الوصول في نهاية المطاف إلى ديمقراطية إجرائية تقوم على وجود مظاهر وشكليات منها وتهمل الجوهر ولا تحقق الغاية من ثورة الشعب التونسي ولا تساوي الثمن الذي دفعه منذ 2011 إلى اليوم.سياسيون ومناضلون سابقون ونشطاء وإعلاميون ومواطنون عاديون يعتبرون أنه متى تحققت الغاية وهي محاسبة جماعة النظام السابق على جرائمهم ومن المهم أن تتحقق مهما كان الثمن فإن تونس على طريق قويم.
أنا مع محاسبة جماعة النظام السابق والحالي واللاحق على ما ارتكبوه وقد يكون ارتكبوه في حقنا ولكن بطريقة قانونية.لأن ما يحصل ومراقبة مختلف المواقف المركزة على حادثة بعينها يكفي لإصابة أي عاقل بالصدمة. ويجعلك تفهم هنا السبب الذي يجعل حركة النهضة التي تسببت في خرق القوانين وإفساد كامل مسار الإنتقال الديمقراطي متمترسة في الحكم وفي كامل قوتها.
هؤلاء يبررون لها جميع جرائمها ولو كانوا عن حسن نية، إذ تحجب عنهم الجرائم التي ارتكبها النظام السابق رؤية الحقيقة أو يغضون بصرهم عمدا عن رؤية الحقيقة،عن جرائم الحركة وتجاوزاتها وقتلها أمل بناء دولة ديمقراطية تحترم فيها المؤسسات ولا يخرق فيها القانون مهما كانت المبررات.وعوض الوقوف ضد تلك التجاوزات والقوانين المنافية لأبسط المبادئ القانونية الكونية وعوض المطالبة بتعديلها وإصلاحها ليتسنى فعلا محاسبة جميع المسؤولين السابقين ومحاكمتهم وإنصاف الضحايا، فإنهم يجعلون من الجلادين ضحايا للمستقبل ويجعلونهم وإن حاكموهم وفق قوانين فاسدة قادرين على الإدعاء يوما آخر بأنهم ضحايا استهداف سياسي ومحاكمات سياسية. يبررون التلاعب بالقوانين من أجل أهداف مختلفة وبتبريرات وهذا يجعلهم حلفاء موضوعيين لمن خرق القانون وهذا خطير على مستقبل البلاد.
إن المعركة الحقيقية في تونس في المستقبل هي معركة إصلاح. وهي معركة يجب أن تندلع كحتمية تاريخية بين قوم تصرفوا في منظومة جديدة فاسدة وفق مصالحهم الحزبية وبدون ضوابط ولهذا لا يريدون إنشاء المحكمة الدستورية خوفا من ابطال جميع القوانين الفاسدة التي فرضتها ولمواصلة استغلالها لتحقيق أغراضهما الخاصة وبين وطنيين يريدون الحفاظ على مسار الانتقال على الديمقراطية ويريدون منظومة جديدة تحترم القوانين ومبادئ الحكم الرشيد ولا خلق سوابق سيئة في خرق القوانين والدفاع على عمليات مشينة لا تشرف أي تونسي يريد الإرتقاء ببلده ولكن لا قوة لهم لتحقيق ذلك ويبقون دائما على الهامش.

شارك رأيك

Your email address will not be published.