الرئيسية » حتى تكون الإنتخابات المقبلة محاكمة لمجلس نواب خذل رئيس الجمهورية وقبَر قبله المحكمة الدستورية

حتى تكون الإنتخابات المقبلة محاكمة لمجلس نواب خذل رئيس الجمهورية وقبَر قبله المحكمة الدستورية

يوصي الدستور التونسي لعام 2014 في توطئته بالتنافس السياسي كضمان للحكم الرشيد. ووضع له المحكمة الدستورية ضمانة، كما في كل الدساتير الديمقراطية. فالمحكمة الدستورية وحدها المخولة للفصل بتوافق كل قرار أو مرسوم أو قانون أو حكم قضائي مع الدستور، وبتفسير مواده للإسترشاد بها في وضع التشريعات، وكذلك بمحاكمة كبار المسؤولين في الدولة. فهي الساق الثانية لنظامنا البرلماني الذي اخترناه بعد الثورة.

بقلم الدكتور المنجي الكعبي *

ولكن الأقدار شاءت أن يفشل برلماننا، بالطريقة التي قامت بها الإنتخابات السابقة التي أتت به في إنشاء هذه المحكمة من 12 عضواً، وإذا نحن أمام أصعب إمتحان لسد الشغور بانتخابات رئاسية كما هو مقرر في هذه الحالة بعد وفاة الرئيس قايد السبسي.

إخلال دستوري وقانوني واضح

والهيئة العليا المستقلة للإنتخابات والإستفتاء، الوليدة من جديد بعد مخاض عسير خلفاً لسابقتها، والتي لم تسلم من النقص والتقصير والتتبعات المالية، تفاجأت هي الأولى بمواجهة هذا الوضع الذي لم تتحسب له قوانينها، لتضاربه مع روزنامتها التي أعدّتها للإنتخابات التشريعية والرئاسية المتوقعة لهذا العام، بعد إهدار وقت طويل في التجاذبات البرلمانية. فوجدت نفسها مضطرة إلى تقديم الإنتخابات الرئاسية كحل، رغم تزامنه مع الصمت الإنتخابي للإنتخابات التشريعية الموالية رأساً، فضلاً عن الضغط على بعض الآجال واختصار لبعض الاجراءات. وكأنها بهذا التمشي تكاد تصرف النظر بل هي فعلاً صرفت النظر عن الفرق بين إنتخابات لسد الشغور وبين إنتخابات عادية. وليس في قانونها غير إنتخابات جزئية لسد الشغور في مجلس النواب.

وهذا إخلال دستوري وقانوني واضح في رأينا البسيط، في غياب القرار الأصح للمحكمة الدستورية لو كانت قائمة. إذ المدة الباقية على الرئاسية الحالية التي غادرنا فيها المرحوم الباجي لم تعد مشمولة برئاسة سد الشغور كما ينص الدستور وإنما بآجال إنتخابية عادية تمتد إلى ظهور آخر نتائج للرئاسية العادية لو تمت، برئاسة سابقة لأوانها عن طريق قرارات إنتخابية متخذة دون إستشارة الهيئات الرسمية، وعلى رأسها البرلمان الذي يعود له الإشراف على الهيئة وحده ومساءلتها في غياب المحكمة.

ففي الدستور إشارة الى “المدة الرئاسية الكاملة”، ما يعني وجود غيرها لفترة وجيزة لها حكم الكاملة في حالة الإستقالة التي تحظر الترشح للرئاسة أكثر من مرتين (الفصل 86: … وخلال المدة الرئاسية الوقتية يُنتخب رئيس جمهورية جديد لمدة رئاسية كاملة).

جوانب في الدستور ربما خفيت عن بعض الأطراف

ومن ناحية أخرى، ألا يضع هذا التقديم للرئاسيات إشكالاً جديداً، من جهة أنه من المتوجّب دستورياً أن يقوم رئيس الجمهورية في أجل أسبوع من الإعلان عن النتائج النهائية للإنتخابات بتكليف مرشح الحزب أو الإئتلاف الإنتخابي المتحصل على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان بتكوين الحكومة. (الفصل 89).


وليس من النادر أن تغفل بعض الهيئات، وربما حتى مجلس النواب، وتتجاهل بعض الأطراف فيه عن تفعيل بعض نصوص الدستور لأسباب سياسية. وحدث ذلك فيما أذكر، إثر أحداث الخميس الأسود في حياة الرئيس بورقيبة، عند إقدامي على لفت نظر المجلس النيابي الى إمكانية مطالبة المجلس برفع الإيقاف عن النقابيين النواب المشمولين برغم رفع الحصانة البرلمانية عنهم، في جلسة عامة تمت في غيابي وكنت وقتها في مهمة بالخارج، وأقصد بالذات الزعيم الحبيب عاشور، وهي إمكانية يسمح بها الدستور. فقامت في وجهي موجة عنيفة لإبطال اقتراحي، بعد الرجوع للبت فيه في اليوم الموالي الى عميد المجلس وقتها الأستاذ جلولي فارس الذي زعم – رحمه الله – حسب قول رئيس المجلس أني مندس في الحزب وغير مؤهل لقراءة الدستور! (انظر كتابي “مداخلات عضو بمجلس الأمة”، ص55-56).

ويحدث كذلك عدم الإنتباه إلى جوانب ربما خفيت عن بعض الأطراف التي وضعت الدستور بعد الثورة. فكيف يجوز شرط التزام المترشح للرئاسة بالتخلي عن الجنسية الأخرى التي له عند فوزه. فهل يكون وهو رئيس منتخب، ربما بفضل هذه الجنسية الأخرى التي له، يصبح مطلوباً منه التخلي عنها وفاء بالتزامه السابق؛ ولا يتساءل أحد إن كان الحرج من جنسيته الأجنبية في حال الفوز إذا بقي عليها أقوى من الحرج في حملها والقيام بحملته الإنتخابية وهو متقلّد إياها؟


وإذا كان من شروط الترشح للإستحقاقات الإنتخابية أن لا تراعي مراقبة دقيقة لبراءة الذمة نحو الدولة في مسائل لها دلالتها، كعدم استخلاص المترشح لمعلوم غرامة بحقّه من دائرة المحاسبات في انتخابات سابقة إلا بعد مقاضاته عن طريق العدالة.

وهي قضية النائبة المحترمة أروى بن عباس، مرشحة قائمة النهضة تونس 2، على رأسها حالياً، لامتناعها عن خلاص غرامة للدولة عن قائمتها التي يرأسها الدكتور المنجي الكعبي في انتخابات التأسيسي للتأخر الحاصل عن تقديم وثائق الحملة في إبانها، إلا بعد قضية قدمها بها هذا الأخير بعد تقاض دام أكثر من أربع سنوات في محاولات لحملها على دفع منابها من الخطية قبل الإلتجاء إلى العدالة؛ رغم فوزها فيما بعد كشخصية ثانية بعد الشيخ مورو في انتخابات التشريعي سنة 2014.


وللتوقّي من أزمة هذه الإنتخابات لسد الشغور في حينه وبكيفيته المنصوص عليها في الدستور، هناك إمكانية أن يصدر الرئيس المؤقت قانوناً يتعلق بحل الإشكالات الآجالية المترتبة على المآزق الدستورية والتي قد لا تحل إلا بقوانين. لكي وتتحرر بذلك الهيئة من ضغوط روزنامتها المقررة، وتحترم الآجال المعهودة التي هي أكبر ضمانات لحمل الحكام على احترام السير العادي للمؤسسات وعدم تضارب المصالح؛ فما المانع من تمديد مدة الرئاسة الوقتية بتعلة الخطر الداهم، الذي هو حقيقي اليوم بعد التفجيرات الارهابية الأخيرة في بلدنا وتفجّر الأوضاع الأقليمية في جانبينا على احتمالات مواجهات عنيفة بين الأطراف المتنازعة على السلطة، ليُسمح للهيئة الناخبة وللمترشحين بالوقت الكافي لاصطفاء الرجال أو النساء المترشحات للرئاسة في الأجال المعلومة سلفاً والمتهيئة لها النفوس جميعاً، وليس تحت تأثير الأحداث الطارئة أو المتأزمة، التي قد تخدم أطرافاً على حساب أطراف أخرى حتى يتحقق التنافس السياسي النزيه وحتى تكون الإنتخابات المقبلة محاكمة لمجلس خذل الرئيسَ وقبَر قبله المحكمة الدستورية.

تونس في 31 جويلية 2019.

* نائب سابق في البرلمان، جامعي و كاتب.

مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس :

شارك رأيك

Your email address will not be published.