الرئيسية » هل يقدر قيس سعيد على تفكيك منظومة الفساد دون تجميع قوى الإصلاح حول مشروعه ؟

هل يقدر قيس سعيد على تفكيك منظومة الفساد دون تجميع قوى الإصلاح حول مشروعه ؟

منظومة الحكم في تونس ما بعد ثورة جانفي 2011 المشكوك في نسبها و تاريخها و أصلها و فصلها منظومة نهب للمال العام و تآمر على مؤسسات الدولة لذلك ليس من السهل اليوم التخلص منها مثلما يسعى إلى ذلك الرئيس قيس سعيد. و لعل الأمر يتطلب خطاب تجميع أكثر ما يمكن من المواطنين بدل خطاب غائم يبعث فى النفوس نقاط استفهام و التباس و تعجب مسترسلة من شأنه تكوين رأى عام ناقد و متخوف من المسار الراهن المعتمد من الرئيس كحل وحيد لا مناص منه و لا يجب رفضه مخافة التوصيف بالخيانة و الانتماء إلى منظومة الفساد.

بقلم أحمد الحباسى *

في كل الأعمال الخارجة عن المألوف يصعب على المواطن العادي أن يقرأ “انقلاب” الفصل 80 من دستور 2014 لأنه ببساطة شديدة حدث سياسي خارج عن المألوف يتحدى قدرة الفرد على إيجاد لغة تحليل مناسبة. إن ظهور الرئيس قيس سعيد من البداية بمظهر غير سياسي و لا علاقة له بالكلام و لا يحبّذ الحوار إلا مع من ينتقيهم بعناية و تحفظ شديدين عكس صورة مخيفة لدى البعض من هذا الرجل القادم من المجهول أو كما يقول هو نفسه من كوكب آخر، لأن المعلوم أن الرئاسة عمل سياسي يتطلب القدرة على الكلام و الإقناع و لذلك من المنطقي أن يلاقى الرئيس أو لنقل قرارات الرئيس حالة من الجدل بين من مع و بين من ضد، إن تنصيب الرئيس نفسه الحامي الوحيد للدستور و للوطن و للشعب و التعدي على حقوق الشعب يتطلب التخلص منه أولا وسط تهديده من نعتهم بالأشرار هو منطق ما كان يمكن أن يصدر عن رئيس واثق بنفسه و بشعبه.

القول إن تونس هي الرئيس و الرئيس هو تونس هو تفكير خاطئ

ليتفهم أنصار الرئيس قيس سعيّد و ليتفهم الرئيس نفسه بأن القول إن تونس هي الرئيس و الرئيس هو تونس هو تفكير خاطئ و خطير بكل المقاييس السياسية لا يختلف عن مقولة ملك فرنسا لويس الرابع عشر “أنا الدولة و الدولة أنا”، فهذا المنطق السقيم هو من أدّى اليوم إلى وجود قناعة بأن الرئيس لا يتمتع بالكفاءة و حسن الإدارة و الأهم من كل ذلك أنه لا يتمتع بالحنكة السياسية و لا بالقدرة على الإنصات و الاستماع للرأي المخالف.

و لذلك قلّما ينجح في تعيين الإنسان المناسب في المكان المناسب، تعيين إلياس الفخفاخ و هشام المشيشى مثالا، لقد أكدت أحداث 25 جويلية بأن تونس تشهد تفاعلات شعبية خطيرة و بأن المجتمع يبحث عن مخرج سريع و ناجع من الاقتصاد السلبي و الفساد المتزايد و الغلاء الفاحش و انسداد الأفق و غياب الحلول و سلبية بل سوء الحوكمة لكل حكومات النهضة و من تعاون معها أو تعاونت معه وصولا لدولة مفلسة متسولة على اعتاب توصيفها بالدولة المنكوبة.

تفكيك منظومة الفساد يستوجب قدرة على تجميع القوى المناهضة لها

لقد عمّقت اللحظة الراهنة فى صفوف الرأي العام التونسي خطاب التشكّك و التساؤل و الإحباط لأن منظومة الحكم منذ ما بعد الثورة المشكوك في نسبها و تاريخها و أصلها و فصلها منظومة نهب للمال العام و تآمر على مؤسسات الدولة لذلك ليس من السهل اليوم التخلص من هذه المنظومة العبثية المجرمة و ذلك يتطلب خطاب تجميع أكثر ما يمكن من المواطنين بدل خطاب غائم يبعث فى النفوس نقاط استفهام و التباس و تعجب مسترسلة من شأنه تكوين رأى عام ناقد و متخوف من المسار الراهن المعتمد من الرئيس كحل وحيد لا مناص منه و لا يجب رفضه مخافة التوصيف بالخيانة و الانتماء إلى منظومة الفساد.

لقد أصبحت “عقوبات” الرئيس تشمل كل منتج نقدي موجه للرئاسة أو للجيش أو للمسار السياسي للرئيس بحيث بدأت تضيق مساحة الحرية رغم كل التطمينات الرئاسية على مواصلته احترام مكتسبات الثورة.

النهضة تنتعش من مناخ الانقسام و بث خطاب الفوضى

لا يمكن للرئيس التعامل مع منظومة حركة النهضة و لا مع لوبيات الفساد و لا مع عملاء السفارات الأجنبية و باعة الضمائر، هذا منطقي و مطلوب، لكن لا يمكن للرئيس أن يتعالى حتى بصورة وقتية على التعامل مع كثير من رموز السياسة و الاقتصاد أو مع قيادات المنظمات الوطنية أو مؤسسات المجتمع المدني أو أجهزة الإعلام حتى لو كانت “معادية” لتوجهات الرئيس، لا بد للرئيس أن يوسّع قدر الإمكان دائرة الحوار و التشاور و أخذ النصيحة و لا بدّ للرئيس أن يطّور بسرعة دائرة الاتصال الإعلامية الرئاسية لأن ما حدث في سيدي بوزيد أخيرا وصمة عار و سقطة اتصالية بامتياز، من المؤكد أن النهضة تنتعش من مناخ الانقسام و بث خطاب الفوضى و لذلك فهي تسعى لتجميع أكثر ما يمكن من الفوضويين مثل قلب تونس و الجمهوري و التكتل و غيرهم ممن فقدوا الأمل في تسلق المصعد السياسي بنجاح و باتوا مجرد كومبارس مكمل لمشهد سياسي قبيح.

لذلك على الرئيس وضع مشروعه السياسي على السكة و القيام بكل الإجراءات الحازمة و السريعة ضد كل الفاسدين الذين بإمكانهم بواسطة المال الفاسد زعزعة الاستقرار لأن الوضع الحالي قابل لأكثر من احتمال و أترك للقارئ توقع الاحتمالات في ظل أوضاع كهذه. طبعا هناك تساؤلات و ارتباك و لذلك لا نبتغي استعادة مقولة رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل “الآن هذه ليس النهاية و هي ليست بداية النهاية، لكن ربما هي نهاية البداية”.

* كاتب و محلل سياسي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.