الرئيسية » دراسة : التقنيات الميدانية الحديثة للرفع من الجدوى الاقتصادية لمزارع الألبان

دراسة : التقنيات الميدانية الحديثة للرفع من الجدوى الاقتصادية لمزارع الألبان

لقد نما قطاع إنتاج الألبان التجاري المتخصص في الوطن العربي نموا ضخما خلال العقدين الماضيين وأصبح هناك العديد من الشركات المتخصص في الإنتاج وتصنيع وتوزيع الألبان. وفي السنوات الأخيرة أصبح المستثمرون في قطاع إنتاج الحليب بكافة الأنماط يواجهون و بدرجات مختلفة آثار انخفاض الكفاءة الاقتصادية، حيث أن ارتفاع كلفة الإنتاج أصبح يعيق الجدوى الاقتصادية والربحية لمزارع الألبان.

بقلم د. المعز العيادي *

ويعتبر التهاب الضرع (Inflammation de la mamelle) من أكثر الأمراض تعقيدا وأعلاها تكلفة في مشاريع حيوانات الحليب، حيث أقل تكلفة لحالة التهاب الضرع في البقرة الواحدة تصل سنويا إلى 250 أورو في اوروبا، حيث قدرت الخسائر الكلية بحوالي 310 مليون دولار في كندا و2 بليون دولار في أمريكا سنويا.

ولهذا تلعب صحة الضرع دورا هما في مزارع الألبان حيث تمثل العنصر الرئيس لضمان إنتاج حليب ذو جودة عالية. ولا شك أن التدابير الوقائية لا تقل أهمية عن العلاج وحل المشاكل مثل أمراض الضرع واضطرابات تدفق الحليب والتي تؤدي إلى انخفاض الإنتاج والتغيير في مكونات الحليب مما يؤثر سلبا على الربحية الاقتصادية لمزارع الألبان.

أهمية التشخيص السريع لأمراض الضرع

لذا تعد عملية التشخيص السريع والدقيق للضرع مهمة جدا في تقليل الخسائر. ولهذا فإن تطبيق تقنية الموجات فوق الصوتية (Ultrasonographie) أو التصوير الحراري بالأشعة فوق الحمراء (Infrarouge Thermographie) في ضروع الحيوانات الحلوبة يمكن أن تكون ذات أهمية كبري في تشخيص أمراض الضرع مبكرا والكشف عن الحالات الشاذة للحلمة. ولقد اكتسبت هذه التقنيات الحديثة شعبية كبيرة في السنوات الأخيرة حيث استخدمت كأداة تشخيص في مجال العلوم البيطرية والحيوانية. وتعتبر هذه التقنيات نموذج آمن وفعال وسريع في التشخيص وهذا راجع لأن الصورة المتحصل عليها تسهل التفسير الفوري والتشخيص وتتبع التغيرات المرضيةفي الضرع مثل الالتهاب، وانتشار الأنسجة، والأجسام الغريبة، وحصي الحليب، والتشوهات الخلقية، والورم الدموي وغيرها.

إن برامج الانتخاب التي طبقت منذ أكثر من 50 سنة على الحيوانات المزرعية وخاصة الأبقار مكنتنا من الحصول على حيوانات ذات إنتاج حليب عال ولكن ذات ضروع صغيرة نسبيا. فتكاثر الخلايا المنتجة للحليب وارتفاع نشاطها هي من أهم مسببات ارتفاع إنتاج الحليب وهذا لا يمكن التعبير عنه ظاهريا إلا عندما يكون حجم خزان الضرع كبير لتسهيل تخزين الحليب الذي يتم إنتاجه بين الحلبات.

لذا فالتوجه العام في أغلب مزارع الألبان، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج العربي مثل الملك العربية السعودية، هو زيادة عدد الحلبات من حلبتين إلى 3 أو 4 حلبات في اليوم للتقليل من الفترة بين الحلبات وبالتالي التخفيض من ضغط الحليب داخل الضرع. حيث أن حلب الأبقار 3 مرات في اليوم يزيد إنتاج الحليب من 15 إلى 22% بالمقارنة مع حلبتين في اليوم، ولكنه يؤثر سلبا على مكونات الحليب وعلى طول الحياة الإنتاجية للبقرة.

خفض ضغط الحليب داخل الضرع وارتفاع كمية وجودة الحليب

لذا فان اختيار حيوانات مزرعية ذات خزان ضرع كبير يمكن أن يكون حلا لتجنب سلبيات زيادة عدد الحلبات في اليوم، حيث انه يمكننا من خفض ضغط الحليب داخل الضرع مما ينتج عنه ارتفاع كمية وجودة الحليب ومن ثم تخفيض عدد مرات الحلابة وتقليل تكلفة الإنتاج. ففي دراسة حديثة والأولى من نوعها حول استعمال الموجات فوق الصوتية لتقييم سعة خزان الضرع للأبقار الحلابة تحت ظروف التربية المكثفة، حيث لوحظ تفاوت في سعة خزان الضرع بين الأبقار، وبناءً على ذلك تم تصميم نظام لتقييم سعة خزان الضرع باستخدام التقييم الخطي. ويعتمد هذا النظام على أساس ستة أنماط شكلية لسعة خزان الضرع (صفر = عدم وجود خزان، 1= خزان صغير جدا، 2 = خزان صغير، 3 = خزان متوسط، 4 = خزان كبير و5 = خزان كبير جدا).

وقد أوضحت نتائج هذه الدراسة إمكانية استعمال تقنية الموجات فوق الصوتية كتطبيقات حقلية لتقسيم الأبقار الحلابة حسب سعة خزان الضرع وإنتاج الحليب ومن ثم تحديد عدد الحلبات المثلى في اليوم لكل حيوان، حيث أثبتت النتائج السابقة أنه كلما زادت سعة خزان الضرع أدى ذلك إلى التخفيض من عدد مرات الحلابة وتقليل تكلفة الإنتاج.

وتجرى حاليا العديد من الأبحاث لتقييم هذا النظام المقترح على نطاق واسع في مناطق جغرافية مختلفة وأجناس مختلفة من الحيوانات المزرعية. وكتطبيقات حقلية أخرى لتقنية الموجات فوق الصوتية لتقيم إنتاجية الحليب فقد أوضحت نتائج دراسات سابقة حول إمكانية تقييم النسيج البارنشيمي والدهني للضرع بالموجات فوق الصوتية لدى الأبقار خلال الأسبوع الأخير من مرحلة الحمل للتنبؤ بإنتاجية الحليب في موسم الحلب القادم.

إن استعمال هذه التقنيات الحديثة لدراسة الشكل الداخلي للضرع في المجترات سيعد تطورا هاما في المستقبل القريب. فالتقدم العلمي مثل نقل واستنساخ الأجنة سيساهم في زيادة التشابه بين الحيوانات، ولذلك فإن معرفة سعة خزان الضرع والقدرة على انتفاخ الحويصلات اللبنية وحركية امتلاء الضرع بين الحلبات من خلال هذه التقنيات يوفر لنا المعلومات عن أفضل تكيف لضرع الحيوان مع طريقة الحلب (الحلب الميكانيكي التقليدي أو الروبوتي) ونمط الإنتاج (مكثف أو غير مكثف) لزيادة دخل المربي.

تعتبر تقنية التصوير الحراري بالأشعة فوق الحمراء تقنية حديثة ومتطورة حيث تعمل على قياس درجة حرارة السطح بدقة عالية عن طريق توليد صور حرارية باستخدام كاميرا حرارية بناءاً على قياس كمية الإشعاعات تحت الحمراء المنبعثة من السطح. وقد لوحظ أن حالة السطح الحرارية لأي حيوان تعكس التمثيل الغذائي له. حيث ان ارتفاع درجة الحرارة واحمرار السطح لدي الحيوان يرجع إلى تسارع حجم وتدفق الدم وهي من العلامات المبكرة الرئيسية لأي إلتهاب. وقد تم استخدام هذه التقنية بنجاح في التشخيص البيطري للعديدمن حالات العدوى وكذالك لتقيم الطرق العملية للرفق بالحيوانات خاصة في مزارع الإنتاج المكثف. ذ

وفي الآونة الأخيرة استعملت هذه التقنية لتحديد التغيرات في درجة حرارة سطح الجسم وهو لتقييم الإجهاد الحراري (Stress Thermique) الناتج عن التغيرات المناخية لدى الحيوانات المزرعية. إن تحديد درجة حرارة سطح الضرع باستخدام التصوير الحراري قد يكون ميزةلفحص المبكر لالتهابات الضرع لدي الحيوانات الحلوب. حيث وجد علاقة موجبة بين درجة حرارة سطح الضرع ودرجة حرارة جسم الحيوانات. وقد أثبتت البحوث العلمية على أن درجة حرارة سطح الضرع هي مقياس فحص عالي الحساسيةوالنوعية بالمقارنة مع القياسات الأخرى (اختبار كاليفورنية واختبار عدد الخلايا الجسدية) في الكشف عن التهاب الضرع تحت الحاد (Mammite subclinique) لدى المجترات.

وقد أكدت بعض التجارب الحقلية في مزارع الألبان الكبرى على أن تقنية تشخيص التهاب الضرع تحد الحاد باستعمال التصوير الحراري بالأشعة فوق الحمراء قد تقلل في كلفة التحاليل المخبرية، حيث أن التحاليل المخبرية لعينات الحليب ستشمل فقط الحيوانات التي تفوق درجة حرارة سطح الضرع 34,6°م عند الأبقار و 35,7ºم لدي الأبل. فمن الرغم من أن التصوير الحراري بالأشعة فوق الحمراء هي تقنية يجب استخدامها تحت ظروف بيئة موحده وهي مكلفة وتفتقر الى تحديد المسببات المرضية لالتهاب الضرع. إلا انها سهلة الاستعمال وتمكننا من الكشف والعلاج المبكر وخاصة أخد التدابير الوقائية لجعل الحليب أكثر أمانا للاستهلاك البشري مع الحد بشكل فعال من الخسائر الاقتصادية والبيولوجية الهائلة المرتبطة بهذا المرض.

نظرا لأهمية صحة الحيوانوارتباطه الوثيق بالجدوى الاقتصادية لمزارع إنتاج الألبان ومزايا تقنية الموجات فوق الصوتية والتصوير الحراري بالأشعة فوق الحمراءفي تشخيصأمراض الضرع مبكرا والكشف عن حالات العدوي والإجهاد الحراري في الحيوانات المزرعية.حيث نتوقع في المستقبل أن تكون هذه التقنيات أداة لاستخدامها على نطاق واسع في هذا المجال من خلال المربيين والمهنيين والبيطريين. فإلى جانب تشخيص أمراض الضرع والحلمة فيمكن اعتبار الموجات فوق الصوتية كتقنية مناسبة لقياس حجم خزان الضرع وتقييم نسبة النسيج البارنشيمي والدهني في الضرع. كما يمكن أن يستفاد منها في معرفة قدرة الحيوان الإنتاجية، وتحديد عدد الحلبات المثلي لكل حيوان لتقليل كلفة الإنتاجوالرفع من الجدوى الاقتصادية لمزارع الألبان.

* أستاذ محاضر في فسيولوجيا الحليب والإنتاج الحيواني بالمعهد العالي للبيوتكنولوجيا بباجة (جامعة جندوبة) و خبير متعاون لـدى منظمّة الأغـذية والـزّراعـة للأمـم المتّحـدة (FAO),

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.