الرئيس قيس سعيد و مشروع “دستوره” : كيف الخروج بتونس من هذه الورطة ؟

لهذه الأسباب أدعو الرئيس قيس سعيد بكل لطف إلى إعادة النظر في مشروع الدستور الذي طرحه للاستفتاء يوم 25 جويلية الجاري و مراجعته بصفة معمقة وأدعوه إلى الأخذ بأراء كل الأساتذة الذين أشاروا إلى مساوىء هذا المشروع وتأخير الاستفتاء لبضعة أسابيع حتي نجنب بلادنا المزيد من الانقسام والتناحر والتشرذم ونؤسس لدولة تونسية مستقرة متصالحه مع هويتها المدنية ولنظام سياسي رئاسي متوازن يضع البلاد علي السكة وينقطع إلى خدمة قضايا الشعب الحقيقية و يعمل علي تحقيق تطلعاته المشروعة…

بقلم رؤوف الشطي

لا اعتقد أن رئيس الدولة قيس سعيد سيتراجع عن مشروع الدستور الذي نشره يوم 30 جوان 2022 بالرائد الرسمي والذي من المبرمج أن يتم استفتاء الشعب حوله يوم 25 جويلية الحالي. .وإلا جاء غير متناغم مع نفسه. فاالأمور بالنسبة إليه تسير وفقا لأفكاره و لما خططه وسار عليه منذ 25 جويلية 2021 غير عابيء بأي شيء و متعللا بما له من شعبية، رغم تراجعها كثيرا عما كانت عليه منذ سنتين ونصف، حسب مراكز سبر الآراء.

كل الدلالات تشير إلي أن الرئيس لن يغير موقفه بالرغم من الندءات العديدة التي دعته بقوة الى التريث و تدارك الأمور و مراجعة نصه وإرساء دستور تونسي صرف يتماشي مع موروث تونس الحضاري والثقافي، يؤسس لبناء دولة مدنية ديمقراطية ترتكز علي حقوق الإنسان الكونية والحريات العامة والخاصة والعدالة الاجتماعية و دولة قانون يخضع الرئيس فيها ككل السلطات العمومية إلى سلطان القانون … دستور يحمي الرئيس من نفسه ويؤسس للعلاقات متوازنة بين السلطات في إطار الدولة الموحدة…

الديمقراطية المباشرة والحكم القاعدي والشعب الذي يريد

لماذا لن يغير الرئيس موقفه ؟

أولا لأنه يرى نفسه منة من الله على الشعب التونسي جاء لإنقاذ البلاد من الفساد والمفسدين بعد عشرية الخراب كما جاء ذلك في توطئة مشروع الدستور الذي طرحه. هو الذي قاد يوم 25 جويلية 2021 عملية تصحيح مسار الثورة التي حادت عن طريقها الطبيعي … لذلك هو يرى أن “الجمهورية الجديدة” التي يعمل علي إرسائها في حاجة أكيدة إلى دستور جديد يتماشى مع أفكار سياسية جديدة لحقبة سياسية جديدة، دستور يتناغم فيه الرئيس مع الشعب الذي هو فرد منه، على أن يفوض الشعب له في الدستور كل الأمور باعتباره يرى نفسه أفضل شخص في البلاد أي الأقدر علي خدمة أهداف الثورة : الحرية والكرامة، شخص ملهم يتصدر و يسمو فوق الجميع ولا يخضع إلا لدستور علي المقاس…

اليس هو من قال صراحة وأكثر من مرة أنه سيتعقب الفساد والمفسدين في كل مكان، في الأرض والجو والبحر وسيقض مضاجعهم حتي القضاء عليهم؟

الرئيس متناغم مع نفسه لكنه شاذ عن شعبه

ثانيا، لأنه بهكذا تصرف يرى نفسه متناغما مع ذاته ومع آرائه السياسية ومع كل من صوت له في الانتخابات الرئاسية السابقة علي خلفية الأفكار الجديدة التي سوقها أثناء حملته الرئاسية ونال بها أكثر من مليوني صوت و إن كان معظمها صوت له لكي يقطع الطريق أمام منافسه الموسوم بالفساد…

ومما يؤكد ذلك تشديده أكثر من مرة في توطئة مشروع الدستور علي سيادة الشعب صاحب السلطة و إرسائه في مشروع الدستور لمجلس الأقاليم والجهات بالتوازي مع مجلس نواب الشعب … ومجلس الأقاليم هذا أمر خطير لأنه يحيلنا رأسا إلى نظرياته وأفكاره المرتبطة بالديمقراطية المباشرة وبالحكم القاعدي والشعب الذي يريد. وسيكون غاليا اذا ما تم أنشاؤه لأنه سيزيد الأمور لخبطة وقد يزيد من التحلل والفوضى وتكون نتائجه عكسية…

ثالثا، لأنه يعتقد جازما أن ما أتي به من أفكار حول الهوية ليس بدعة باعتبارها تؤكد انتماءات تونس إلى فضاءاتها الجغراسياسية والثقافية منذ مئات السنين، لذلك فقد نص في “دستوره” على “أن تونس جزء من الأمة العربية ومن الأمة الإسلامية ” وتحدث عن “مقاصد الإسلام” كمنهاج للتشريع، فيما تجاهل البعد المتوسطي لبلاد تتموقع جغراسياسيا في قلب البحر الأبيض المتوسط، متجاهلا ما لهذا من مضاعفات علي تونس في جميع الميادين.

رابعا، لأن له رأي خاص حول حركة التحرر الوطني وحول الأباء المؤسسين للدولة الوطنية وعلي رأسهم الزعيم الحبيب بورقيبة وكذلك حول دستور جوان 1959، رأي يتباين مع آراء الأغلبيه الساحة للشعب التي ترى في الزعيم بورقيبة ونضالاته من أجل الاستقلال القائد الرمز و المرسس للدولة الحديثة.

ضرورة إعادة النظر في المشروع بصفة جذرية

بالرغم عن كل هذا وأمام تعاظم المعارضين لمشروع دستوره بما فيهم الأستاذين الصادق بلعيد وأمين محفوظ اللذين عبرا علنا عن رفضهما للمشروع فضلا عن عدد كبير من الطبقة السياسية والنخبة والشعب، نود أن ندعوالرئيس قيس سعيد بكل لطف إلى إعادة النظر في المشروع بصفة معمقة والأخذ برأي العميد الصادق بلعيد والأستاذ الصادق شعبان والأستاذ أمين محفوظ وكذلك آراء القوى السياسية التقدمية بما فيهم الحزب الدستوري الحر والمركزية النقابية وتأخير الاستفتاء لبضعة أسابيع حتي نجنب بلادنا المزيد من الانقسام والتناحر والتشرذم ونؤسس لدولة تونسية مستقرة متصالحه مع هويتها المدنية ولنظام سياسي رئاسي متوازن يضع البلاد علي السكة وينقطع إلى خدمة قضايا الشعب الحقيقية و يعمل علي تحقيق تطلعاته المشروعة… قبل فوات الأوان. وبذلك نجنب بلادنا الدخول من جديد في متاهات ستؤدي بنا حتما الي ما لايحمد عقباه.

سفير سابق.

شارك رأيك

Your email address will not be published.