سؤال وجيه : أين الحكومة في تونس ؟

لو حاولت عن سوء نية أن أختبر سرعة بديهتكم طالبا منكم و في ظرف خمسة ثوان ذكر أسماء خمسة وزراء من حكومة السيدة نجلاء بودن فبإمكاني الجزم أنكم ستفشلون في هذا الاختبار البسيط  ليس لأن ثقافتكم العامة أو السياسية بالتحديد محدودة – معاذ الله – بل لأن المطلوب صعب و شبه مستحيل. 

بقلم أحمد الحباسي

يقال و العهدة على الراوي أن هناك حكومة تترأسها سيدة فاضلة و يقال أيضا أن السيد الرئيس يستقبل بين الفينة و الأخرى بعض الوزراء و يقال أن هناك من يشاهد يوميا مواكب رسمية لبعض الوزراء تمر في شوارع العاصمة متجهة إلى بعض الوزارات لكن و مع ذلك لا أحد بإمكانه أن يجزم تحت القسم أنه يعرف وزيرا أو أكثر من هذه “العائلة الحكومية” المتخفية أو أنه حضر معزوما أو بالصدفة وزيرا يدشن مشروعا أو يفتح طريقا سيارة أو يترجل من سيارته ليمشي بين الطرقات الوعرة في إحدى المدن و الولايات الداخلية.

ما أقوله يؤكد أن وزراءنا  الميامين من فئة خمسة نجوم تصعب رؤيتهم بالعين المجردة أو مصافحتهم بأيادينا الخشنة و لعلهم يشاهدون الشعب من خلال نشرات الأخبار منعا للاختلاط و ربما التعرض إلى عدوى الشارع.

تبدو السيدة رئيسة الحكومة المحترمة من كوكب آخر وهي تشبه القديسة في إطلالتها و نعومة مشيتها المتأنية و حين تقدمها “تلفزة الحكومة” التي وضعوا على رأسها سيدة أخرى بلا طعم أو لون أو رائحة تكتفي بتصريف الأعمال فإن السيدة نجلاء بودن لا تخرج إلا في صورة  تلميذ في مواجهة أستاذ يتلهى بتقديم وجبة تجمع عبرا من عبق الماضي يضاف إليها بعض المكسرات اللغوية المهجورة مع بعض عبارات التهديد و الوعيد الموجهة إلى المجهول و ربما لكائنات من كواكب أخرى.

حكومة باهتة لن تستطيع فك شفرتها

هذه ببساطة صورة السيدة رئيسة الحكومة في عيون الناس وهي صورة غائمة باهتة مهما تأملتها لن تستطيع فك شفرتها و كأن اختيارها من طرف السيد الرئيس لم يكن لشهائدها العلمية أو لسعة ثقافتها بل لأنها تستطيع أن تقضي الساعات في انتباه شديد تتلقى ما تسمعه منه بذلك الكم من الانتباه المشوب بابتسامة جافة و “صامتة” لا ندرى هل أنها تخفي مشاعر قناعة بما تستمع إليه أو حالة من الإعياء الذهني الشديد نتيجة تكرر المشهد و رتابته حدّ الملل.

في كل الأحوال يبدو للمتابعين أن حكومة طاقية الإخفاء قد بدأت تستشعر أخيرا أنها غير قادرة على حلحلة الوضع الاقتصادي و الاجتماعي وهى تحمد الله و تبوس أيديها وجها و قفا لأنها لم تقدم وعودا ملموسة و لا حتى شعارات سوى ما يتفضل به السيد رئيس الجمهورية قيس سعيد من “رؤوس أقلام ” لا تلزمها و لا يمكن محاسبتها عليها لسوء صياغة قائلها و نزعته نحو االتفرد الفكري على كل المستويات.

ربما تساءل البعض هل أن حكومة السيدة نجلاء بودن هي حكومة ظل أو حكومة الدولة العميقة أم هي حكومة انشقاق عن حكومة مملكة اطلنتيس التي أسال اكتشافها أو كشف سترها من طرف السيدة عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحرّ كثيرا من الحبر بسبب انتماء النائبة الأولى لرئيس مجلس نواب الشعب السيدة سوسن المبروك لهذه الحكومة و شغلها منصب وزيرة دون أن تتفطن لها عيون المخابرات التونسية لكن من المؤكد أن هذه الحكومة تعيش و تمارس “مهامها” فى العتمة و تحت جنح الظلام حتى لا يعرفها الشعب أو يثور ضدها أو يطالب برحيلها.

الرئيس يعيش في كوكب آخر

كما يعيش السيد الرئيس أطال الله في أنفاسه في كوكب آخر يبدو أن الحكومة أيضا قد اختار وزراؤها الأشباح الابتعاد قدر الإمكان عن الشعب لأنها تعلم أن الخيارات السيئة للرئيس و صمت رئيسة الحكومة وإذعانها ستؤدى عن قريب إلى ارتدادات شعبية سيئة لا يمكن حصرها أو التنبؤ بنتائجها خاصة أن هناك إشارات واضحة أفرزتها نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة تفيد عزوف الشباب عن مسايرة ما يسمى نفاقا “بمشروع الرئيس” وهي كوكتال متنافر من الهذيان الجدلي الفكري لأشخاص مثل رياض جراد و شهاب المكي و أحمد شفتر و نجيب الدزيري. 

ابتعاد وزراء الحكومة عن الأضواء و عن محاورة الرأي العام و التزام الصمت  جعل المواطن يشك في وجود وزراء أصلا  فوزيرة التجارة حضورها شبه منعدم رغم كونها تشغل حقيبة وزارة يعتبرها العارفون وزارة سيادة رغم أنها تحتاج إلى التواصل شبه اليومي خاصة في ظل “حكم” بارونات الاحتكار المتمردين المستهترين بهيبة الدولة، نفس الانطباع حاصل مع وزراء الاقتصاد و الشؤون الاجتماعية و البيئة الذين يتميزون بالغياب و قلة الإشعاع.

صحيح أنه من حق الرئيس تعيين رئيس لحكومته و صحيح أن وزراء حكومة السيدة نجلاء بودن هم مجرد وزراء ملحقون بالحكومة و خاضعون في تأدية مهامهم لأهواء رئيس البلاد لكن المشكل أن أغلبهم إن لم نقل كلهم يتقاضون رواتبهم من خزينة الدولة أو بمعنى أصح من جيب دافع الضرائب المواطن المقهور الذي بات على حافة الانهيار العصبي بعدما عجز عن توفير حاجياته الأساسية بحيث بات الأمر يحتاج وقفة  تأمل لنفهم رؤوسنا من ساقينا سيما في ظل عبء مالي بعنوان رواتب و حوافز بالمليارات تتحمله خزينة الدولة دون فائدة تذكر.

فاقد الشيء لا يعطيه

لعله من المفارقات الغريبة في عهد الرئيس قيس سعيد أن نشاهد بعض الولاة يبحثون داخل الإدارات عن الموظفين الأشباح الذين يتغيبون بلا موجب و لا نجد رئيسة حكومة  تتساءل أين مردودية كثير من وزراء حكومتها.

في النهاية يمكن أن نفهم تواجد وزراء أشباح في حكومة السيدة نجلاء بودن لأن “البرنامج” الحكومي لرئيس الجمهورية لا يمكن أن ينفذه إلا وزراء أشباح آتين مثله من كوكب آخر و المشكلة أن هناك من المغفلين من لا يزال ينتظر حلولا مع أن المثل يقول أن فاقد الشيء لا يعطيه.

كاتب و ناشط سياسي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.