العالمُ مرتبِكٌ أمام نتنياهو ولا يجرؤ أن يقول له “لا لمعركة في رفح”

كل التصريحات العالمية والعربية والأمميّة تحذّر من خطورة الخطوة العسكرية الصهيونية نحو مدينة رفح الفلسطينية وتنبه إلى آثارها المدمّرة على المدى البعيد، ويبقى العرب والمسلمون في ذيل القائمة يردّدون ما قاله هؤلاء من أن دخول رفح عسكريًّا لن يحل المشكلة بل سيزيدها انهيارا وسوءا ولكنهم في الوقت نفسه يبقون متفرجين ينتظرون نتائج ما سيحدث.

فوزي بن يونس بن حديد

كل التصريحات العالمية والعربية والأمميّة تحذّر من خطورة الخطوة العسكرية الصهيونية نحو مدينة رفح الفلسطينية وتنبه إلى آثارها المدمّرة على المدى البعيد، حيث صرّح الأمريكيون بمن فيهم الرئيس بايدن بأن إسرائيل لا تملك خطة واضحة للدخول إلى رفح وكذلك وزير خارجيته ووزير دفاعه حتى حذر الأخير إسرائيل بأنه إذا لم تكن هناك خطة واضحة فسنعارض دخولها مدينة رفح وسنتعامل معها وفق ما يحدث على الميدان، كما ذكر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش أكثر من مرة من أن دخول رفح كارثة إنسانية عظيمة وسيُفاقم الوضع الإنساني بشكل كبير، بينما عبّرت الأونروا عن انزعاجها الشديد مما سيُقدم عليه جيش الاحتلال الصهيوني من عملية في رفح، ويبقى العرب والمسلمون في ذيل القائمة يردّدون ما قاله هؤلاء من أن دخول رفح عسكريًّا لن يحل المشكلة بل سيزيدها انهيارا وسوءا ولكنهم في الوقت نفسه يبقون متفرجين ينتظرون نتائج ما سيحدث.

نتنياهو ماض في غزوه

وأمام كل هذه التحذيرات تبقى البلطجة الصُّهيونية سيدة الموقف، لأن إسرائيل اليوم تشهد صراعًا سياسيًّا كبيرًا بين تيارين أحدهما متطرّف حدّ النخاع ويمثله بن غفير وسموتريتش والثاني معتدل في نظر أمريكا وصاحباتها ويمثله بيني غانتس وايزنكوت، وبقي نتنياهو يلعب على الحبلين في وقت تبحث فيه محكمة الجنايات الدولية إصدار مذكرات اعتقال في حقه وحق وزير دفاعه ورئيس أركانه، حيث يرى نتنياهو ومن معه في حكومته المتطرّفة أن عملية رفح ستتم سواء تم الاتفاق على
إطلاق الرهائن لدى حماس أم لم يتم، وعلى هذا فهو ماض في غزوه مدينة رفح مهما كانت النتائج والعواقب حتى يُكمل مسيرته الإجرامية ومسلسله الدموي وفق خطته التي يزعم أنه سينتصر فيها.

لكن الغريب أن لا أحد في العالم استطاع أن يقول “لا” لنتنياهو إلى حدّ الآن، فأمريكا التي تحذّر العالم من كارثة وتشهد مظاهرات عنيفة تنادي بوقف فوري للحرب على غزة وتنادي بحرّية فلسطين لم تستطع كبح جماح رئيس الوزراء الإسرائيلي، وبقي الغرب ومعه الأمم المتحدة عاجزان عن قول “لا” لنتنياهو، ولا العرب أيضا ومن ورائهم جامعة الدول العربية قدروا على مواجهة الغرور الصّهيوني، ويبقى الرهان على أصوات الأحرار في العالم مثل الظاهرة الطلابية في الولايات المتحدة الأمريكية وبعض النواب في البرلمانات العالمية كالنائب الديمقراطي ساندرز الذي قال لنتنياهو “لا”، فقد زهقتَ أرواح أربعين
ألفا من الفلسطينيين أغلبهم نساء وأطفال ودمّرتَ مدينة بكاملها بأطنان المتفجرات فوق رؤوس أصحابها بانتقام وبلا رحمة ودون هوادة في أسوأ إبادة جماعية يشهدها العالم المرتبك.

وها هو نتنياهو يمضي في مساره دون خوف أو وجل وبكل وقاحة رغم فداحة ما سيقوم به، معتقدا بأن الفوز حليفه وأنه يستطيع أن ينجو بفعلته هذه، لكن الرّهان الحقيقي هو ما ستفضي إليه عملية رفح، هل ستقضي على جملة من الرهائن لدى حماس وتُفضي إلى مزيد من الخسائر في أرواح المخطوفين، ومزيدٍ من الخسائر المادية؟، وهل استعدت المقاومة الفلسطينية جيدا لهذه المعركة التي تعتبرها إسرائيل المعركة الأخيرة للقضاء على كتائب حماس؟ أم أن الطاولة ستنقلب على نتنياهو وسيخسر المعركة من جديد لتُثبت المقاومة للعالم أنها تكسب مزيدا من المتعاطفين حول العالم، فمنها وبواسطتها اعترف العالم بحقّها في الدفاع عن أرضها، وبها وبواسطتها تنهار السُّلطة الفلسطينية ودولتها المزعومة لتنشأ دولة جديدة قوامها مقاومة الاحتلال والعيش بعزّة وكرامة، وبها

وبواسطتها تنتفض الضفة الغربية لتعلن العصيان المدني على السلطة الفلسطينية بعد أن أقدمت على اغتيال أبو الغول أحد مجاهدي المقاومة دعمًا للاحتلال الصهيوني.

سلطة متطرّفة عنيفة ومعارضة ضعيفة

ومما شجع نتنياهو اليوم على مواصلة الحرب والمماطلة في السير نحو اتفاق جدّي مع حماس، ارتباك العالَم وخوفه وتردّده في مواجهة رئيس الحكومة الصهيوني وأعوانه المتطرفين، وعدم جدّيّة الولايات المتحدة الأمريكية في اتخاذ قرار حاسم بعدم منح إسرائيل الضوء الأخضر لغزو رفح في هذه المرحلة رغم إصرارها على ضرورة عقد اتفاق بين حماس وإسرائيل، إلى جانب ضعف عائلات الأسرى على التأثير في الحكومة المتطرفة إذ يبدو هذا التأثير هزيلا أثناء مطالباتها وكأنها غير قادرة على صفع نتنياهو وتهديده وغير قادرة على التأثير في الشعب الإسرائيلي ليتعاطف معها، فلم ينزل الشارع بكل ثقله ليعلن العصيان المدني حتى يستجيب نتنياهو لمطلبهم.

ولعل السبب الأهم في مماطلة نتنياهو هو بقاء غانتس وايزنكوت في حكومة الحرب الحالية وعدم الانسحاب فورا رغم دعوات أهالي الأسرى بأن يفعلا ذلك في أقرب الآجال للتأثير على نتنياهو.

كل هذه الأسباب جعلت نتنياهو يشعر بأنه قادر على المراوغة وإطالة أمد الحرب بغطاء متطرّف عنيف ومعارضة ضعيفة نسبيا، وبالتالي يرى نفسه أنه رابحٌ في هذه المعركة ولم يخسر شيئًا إلى حدّ الآن، لكنه في الوقت نفسه، لا يدري أي ضربة موجّهة له ستكون القاضية ولا يقوم بعدها أبدا، وعندئذ يلعن نتنياهو اليوم الذي وُلد فيه كما يقول البطل المغوار يحيى السنوار الذي شغل العالم كله منذ السابع من أكتوبر بهذا السيناريو الذي أعد له جيدا.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.