الرئيسية » تونس : هل سيكسب قيس سعيد معركة إصلاح القضاء ؟

تونس : هل سيكسب قيس سعيد معركة إصلاح القضاء ؟

تونس تعيش اليوم على وقع حالة من الترقب بشأن تداعيات حل المجلس الأعلى للقضاء وتركيز مجلس مؤقت يؤمل منه إرساء العدل وتطبيق القانون وفتح الملفات الحارقة التي عانت بسببها البلاد وشعبها طيلة العشرية السوداء.

بقلم سنيا البرينصي

قام رئيس الجمهورية قيس سعيد، بتاريخ 7 مارس 2022، بتركيز المجالس المؤقتة للقضاء، حيث أشرف بقصر قرطاج على موكب أداء اليمين من قبل أعضاء المجالس المؤقتة للقضاء العدلي والإداري والمالي.

كما أصدر رئيس الجمهورية، في نفس اليوم، الأمر الرئاسي المتعلق بتسمية أعضاء بالمجالس المؤقتة للقضاء.

حتى هذه المرحلة يمكن القول إن سعيد قد بدأ فعليا في مرحلة إصلاح وتطهير القضاء وحسم أمر هذا الملف المثير للجدل على مر السنوات العشر الماضية بل المثير حتى للغضب الشعبي بما أن السلطة القضائية لم تحسم طيلة السنوات العشر العجاف في حل لغز الاغتيالات السياسية والعمليات الإرهابية التي استهدفت البلاد.

خاض سعيد إذن معركة داخلية، وربما خارجية، لحسم ملف تطهير القضاء بحل المجلس الأعلى للقضاء وتركيز مجلس جديد رغم رفض أغلب الهياكل القضائية هذا القرار، وعلى رأسها جمعية القضاة وجمعية القضاة الشبان وغيرها من هياكل مؤسسات مرفق العدالة.

قيس سعيد يضيف السلطة القضائية إلى سلطاته الواسعة

في المقابل، أكد رئيس الجمهورية أن قرار تطهير القضاء، هذا المرفق الذي ما فتئ سعيد يوجه إلى جزء منه الاتهامات العلنية ب “الفساد والمحسوبية وانعدام تطبيق العدل والقانون وعدم خدمة الصالح العام والارتهان للوبيات ومافيات السياسة والمال الفاسدين”، لن يؤدي أو يؤول إلى إمكانية تدخله في القضاء أو في قراراته، وهي تطمينات لم تقنع طبعا خصومه ومن والاهم في الداخل والخارج.

كما أكد سعيد أنه لجأ إلى هذا القرار لأنه “بات ضروريا من أجل تطهير القضاء، وحان الوقت لوضع حد للمهازل التي تحصل ونستمع إليها”.

ويرى متابعون أن قرار حل المجلس الأعلى للقضاء خطوة جريئة وهامة جدا من سعيد لا تختلف عن جرأة وأهمية قرار تعليق أشغال البرلمان بتاريخ 25 جويلية الماضي، وهو ما مثل ضربة صادمة بل قاصمة وجهها الرئيس إلى خصومه ومريديه من الكتل البرلمانية والأحزاب السياسية على حد السواء.

وأثار الأمر الرئاسي القاضي بإحداث مجلس أعلى مؤقت للقضاء يحل محل المجلس السابق “المريض” وفق ما يقرأ من تصريحات سعيد حول هذه المؤسسة الكثير من الغليان والاحتجاج من طرف الهياكل القضائية والأحزاب السياسية المعارضة بناء على تعليلات وتفسيرات ترى أن رئيس الجمهورية بهذا القرار قد وضع يده على السلطة القضائية بالكامل بل أحكم عليها قبضته، وفي الحقيقة هذا الخوف مشروع وواقعي، فواقع الحال يقول إن سعيد يمسك بجميع السلط منذ تاريخ 25 جويلية ليضيف لها مؤخرا السلطة القضائية بإعلان حل المجلس الأعلى للقضاء, يبقى أن إمكانية تدخل سعيد في القضاء من عدمه ستثبتها أو تفندها الوقائع والمستجدات في قادم الأيام… ننتظر ونراقب حتى نحكم.

أعطني قضاء أعطك دولة

إن تقدم وازدهار أي دولة رهين توفر العدل فيها لأن المؤسسة القضائية هي أهم مرفق من مرافق الدولة، بل أن قوة وعظمة الدولة تكمن في عدلها، في المقابل يعم الفساد والخراب أي دولة، أو أي مجتمع، يسودها الظلم من طرف حاكم جائر أو من طرف مرفق عدالة لا يطبق العدالة والقانون بين جميع المواطنين على حد السواء، وكما قال العلامة ابن خلدون في المقدمة إن “الظلم مؤذن بخراب العمران والعدل أساس العمران البشري”، فهل اعتبر أو يعتبر من ذلك البعض من قضاتنا الذين ردد رئيس الجمهورية مرارا وتكرارا بأنهم “فاسدون ومتسترون عن الحقيقة” وعن قول الحق يخرسون و للملفات “مفبركون” و للسياسيين المتنفذين “ذممهم بائعون” وفي “ركب الفساد والإفساد” هم سائرون وعن تطبيق القانون يعمهون..

ويرى مراقبون أن مشوار “تطهير” القضاء لن يكون سهلا أو مفروشا بالورود، فلا يخفى على أحد ما شهدته البلاد طيلة العشرية الأخيرة من جدل وتجاذبات كان “بطلها” القضاء الذي كالت له هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي الاتهامات من كل صوب وحدب وبالوثائق واتهمته صراحة وعلنا أمام الرأي العام المحلي والدولي ب “التستر على القتلة وعلى المتورطين في الاغتيالات السياسية واغتيال الأمنيين والعسكريين وفبركة الملفات في قضايا الإرهاب” وغيرها من التهم الخطيرة، وكثيرا ما تحدثت النقابات الأمنية خلال السنوات الماضية عن الإطاحة بإرهابيين في وضع تلبس وبتهم ثابتة عليهم ليطلق القضاء لاحقا سراحهم أو يحكم عليهم بأحكام لا تناسب مطلقا جرمهم، وهو أمر أيضا أشار إليه رئيس الجمهورية في أكثر من مناسبة إن تصريحا أو تلميحا، وفي هذا السياق صرح سعيد بأن” البعض مازال يتستر ويرفض مد فريق الدفاع بالوثائق التي تدين من يقف وراء اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي”، ولعلنا كتونسيين لن ننسى، وإن تناسينا، كيف “نجا” قتلة القيادي السابق في نداء تونس بتطاوين لطفي نقض من المحاسبة خلال السنوات الماضية لولا إعادة فتح القضية منذ فترة وبالتالي صدور أحكام قضائية على المتورطين في مقتله يقبلها المنطق وتسكت صخب الغضب الشعبي ربما.

هل ستفتح الملفات الحارقة قريبا ؟

ويؤكد آخرون أن سعيد، وإن تمكن من وضع يده على مكامن الداء وانطلق في مشوار تطهير القضاء- فإنه يفتقد آليات الخروج بالقضاء من القبضة السياسية وارتهانه لجهات سياسية معينة على غرار حركة النهضة وغيرها، وأبرز هذه الاليات هي حماية هذا المرفق من الاختراق السياسي من الجهات أو القوى النافذة، فمن يثبت أنه بحل المجلس الأعلى للقضاء السابق تم القضاء على هذه الاختراقات؟ وما دليل رئيس الجمهورية- الواقعي والمؤكد- على أنه بهذا القرار قد وضع حجر النهاية لمسلسل “التمكين السياسي” في مرفق العدالة وخلص البلاد نهائيا من براثن “الجماعة” القضائية “الفاسدة”؟ وهل بهذا القرار يمكن أن تشهد البلاد-أخيرا- محاكمات لكل المتورطين في اغتيال بلعيد والبراهمي والأمنيين والعسكريين؟ وهل بإصلاح القضاء سنعرف أخيرا “شكون قتل شكري بلعيد وشكون قتل محمد البراهمي”.

هذه المحاكمات “الموعودة” التي ينتظرها كل التونسيين وتنتظرها البلاد جمعاء لتستقر وتصفو وتنقى من الشوائب والأحقاد والضغائن… أسئلة حارقة ستجيب عليها تطورات المرحلة المقبلة..وفي المجمل لدينا ثقة كاملة في مؤسستنا القضائية وفي قضاتنا الشرفاء ونثق أنهم سيحسمون في كل الملفات التي تؤرق حال التونسيين منذ سنوات، لاسيما وأن رئيس الجمهورية كان قد أكد في أكثر من مناسبة إصراره على الكشف عن المتورطين في الاغتيالات، وآخر هذه التأكيدات لدى استقباله والد وشقيق الشهيد شكري بلعيد في الذكرى التاسعة لجريمة الاغتيال.

تونس معطبة والحرب على الفساد ستكون طويلة

في المحصلة، تونس على وقع حالة من الترقب بشأن تداعيات حل المجلس الأعلى للقضاء وتركيز مجلس مؤقت يؤمل منه إرساء العدل وتطبيق القانون وفتح الملفات الحارقة التي عانت بسببها البلاد وشعبها طيلة العشرية السوداء.

الحرب التي يخوضها رئيس الجمهورية على عدة جبهات منذ إعلان الإجراءات الاستثنائية هي حرب حتمتها الضرورة القصوى، قبل أن تفرضها رغبات أو أهداف سياسية أو حتى شخصية لقيس سعيد، بحكم ما شهدته البلاد خلال العشر العجاف من خراب مستشر طال تقريبا أغلب مؤسسات الدولة وضرب هيبتها وهدد كيانها بل ضرب حتى قوت التونسيين في “مقتل”.

هذه الحرب المعلنة ضد الفساد وضد المتآمرين على الدولة وضد ناهبي و “مصاصي” قوت ودماء التونسيين قد تكون مكلفة كما أن مسارها سيكون طويلا ولا يمكن التكهن بمالاته في الوقت الراهن بالرغم من كسب رئيس الجمهورية لمعركتي حل البرلمان وحل المجلس الأعلى للقضاء، لكن عديدة ومتعددة تبقى هي المعارك والجبهات التي يفرض بل يحتم واقع البلاد فتحها من أجل الإصلاح الشامل سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وتربويا وثقافيا وقيميا. تونس المعطبة تعاني من أكثر من خلل.. فهل يأتي اليوم الذي تصلح فيه جميع أعطابها ويستقيم عودها فتورق وتزهر بجهود جميع أبناءها..؟.

شارك رأيك

Your email address will not be published.