منصف المزغنّي يكتب حول مغادرة الجمهور المسرح، حكاية وصراع موزون دراميا ، والممثل خدام ، وعارض لما تقدّم له…

أمّا الجمهور فهو مستقبل لما يقدم له ، واذا اعتاد الجمهور على نوع معيّن ، فهذا عائد الى من عوّده ، وربّاه عليه ،
ولا اعتقد ان مسرحية الممثل الواحد القادرة على جلب الجمهور العريض هي مسرحية غير قادرة على الصمود ،
وربما صار على اهل المسرح ، ( المؤلف والمخرج ، والممثل ) ان يراجعوا عملهم ، حتى لا يصيروا مثل اهل الغناء :
ينالون من المديح والتطبيل والتهليل كثيرا اذا اعجبوا الجمهور المدّاح ،
وينالون من التجريح والترذيل والتسفيل كثيرا اذا لم يعجبوا الجمهور القدّاح ،

١- الجمهور ، ليس شخصا ، انه خليط من أمزجة واذواق، وهواجس ، وأحلام وكوابيس ومستويات ثقافية ومسرحية متباينة في استقبال العمل الفني ، المسرحي او غيره .
٢- الفنان المسرحي ( المؤلف والمخرج والممثل ) ، اذا كان حقيقيا ، فانه لا يطمئن الى نظرية ما يطلبه الجمهور ، لان الجمهور أحيانا. يتوحّم على شيء لم يأت على خاطر هذا
٣- الجمهور الرهيب العجيب المريب ، اللطيف السخيف ، العميق ، الساذج التافه وهو كل هذا الخليط الجليط العبيط اللقيط الذي لا يمكن ان نحدد له بوصلة ذات سهم واحد ثابت لا يتحرك مع الرياح وتقلب الامزجة .
٤- ان الفنان الذي يبحث دوما عن اعجاب الجمهور، هو فنان لم يجد نفسه بعد ، لان الفنان لا يصنع ما يعجب الجمهور دوما ، لانه ليس موظفا في مطعم شعبي ،،،
وله ان يطبخ ما يريد ، والجمهور يقبل او لا يقبل على مائدته الابداعية ،،،
٥- أما في حالة الفنان المسرحي الجماهيري ، فهو (حالة مشكلة ) لانها مرتبطة بأحوال معقدة شعبية ،،وثقافية واقتصادية وسياسية ومناخات نفسية متقلبة ، وهي ليست مستقرة في كل شعب ، وفي كل حين ، بمعنى :
ما يضحكه اليوم ، قد لا يضحكه غدا ،،،
٦-الجمهور متطور في عواطفه سلبا او ايجابا وهو، في مجمله قادر على فهم الفنان اذا دخل منطقة السهولة والاستسهال ، فلا يمنحه العملة الصعبة : ثمن بطاقة الدخول ، الا بصعوبة ،، وما هذا الصعوبة غير : قوة الاغراء الفني والجمالي ، ،،
٧-:ان عموم الشعب يتطور في الذوق والحساسية ، وقد لا يستطيع الفنان ان يعبّر عن شعب فيه اجيال وطبقات من الحساسيات المتفاوتة جيلا و عقلا ونضجا وذوقا وفنّا ومستوى في استقبال ما يقدم له من فنون.
٨- الشعب ، المتفرّج ( كما جمهور المسارح ) خليط غير متجانس ، وفيه :
الناضج ، وفيه المتوسط الفهم ، والتافه والسطحي ،
وفيه الكبير وفيه الصغير ( ذهنيا ) ،
وفيه الذكيّ وفيه الأبله ( ساعة التلقّي او الفرجة )
كما فيه الذاهب مع الذاهبين والخارج مع الخارجين ( أتباع الموجة ) ،
وفيه الفيلسوف العميق كما فيه البطيء الفهم أو ذو الذكاء البعيد ،
وفيه من لا يعجبه العجب ،
حتى وان اسمعته ما شئت من لطيف الادب ،
وفيه من لا يصلح ان يكون جمهورا لشيء ( أهل الكآبة ) وفيه من يمشي مع الماشين كالخرفان والماشية
٩- الجمهور قد يتزوج فنانا ( بمعنى الحب والمتابعة المستمرة ) ، ويجنّ في حبه حتى الموت ، ثم ينسى هذا الجمهور فنانه ، ويتركه ويهجره ، كما يهجر الحبيب حبيبه وهو الذي كان بالامس القريب يموت حبًا فيه ويتحرّق شوقا اليه .
١٠ – أغرب ما في الجمهور هو انه يتصرف مثل السيد ومثل العبد في الوقت نفسه ،
متقلب في طلباته ، ومنساق في اختياراته ،،،،
١١- دور الفنان ان يفهم جمهوره هذا قبل فوات الاوان ،،،والا فان على الفنان ان يتهيا الى الموت الفني ، قبل الموت الطبيعي .
١٢ -:حب الجمهور لمعبود اليوم ليس صكا على بياض ، فالحب قد يسقط في لحظة ، في غلطة يراها الجمهور ، ولا يلحظها الفنان
١٣- الجمهور لا يريد الا الفنان الفحل القادر دوما على ان يبقي على مستوى من تقديم اللذائذ للجمهور ، على مدى الدهور ، وهذا من محال الامور
١٤- قد لا يستطيع الفنان ان يكون مرشوقا في دائرة الضوء والاعجاب طويلا ،
١٥- قد يتعب النجم من التنوير على الغير ، وهذا حدث ويحدث وسوف يحدث ،
١٦- من حقّ الفنان ( المبدع في اي مجال من الفنون والاداب ) ان يتحاور مع نقاده والخلصاء من أحبابه ، وقد يقرر اعتزال الفنّ انتاجا لا استهلاكا ،،، ويبتعد عن ساحة الخلق والابداع ، وهي ساحة المعركة الدائمة التي لا يصمد فيها الا الجديد الحيّ .
١٧ – الجمهور ، لا يمكن ان يخدعه اهل الفنّ طويلا ،،،والجمهور الثقافي ،،، ينسحب بهدوء ، من المسرح ، وقد جاءه طلبا للابداع ، فإذا وجد الخداع ، وأحسّ بالخيبة ،غادر المسرح صامتا ، بلا ضجيج ، وهذا على عكس الجمهور السياسي الذي اذا ضجّ من سلطة او تسلّط ، فانه يخرج للشارع بعد ملازمة البيوت وإطالة السكوت .
١٩ – الثقة مهمة اذا اعطاها الجمهور لفنانه ، وهي هدية مشروطة وملغومة ، وكلها مطبات ومصاعب ومتاعب يعرفها اهل الابداع ،
٢٠ -الجمهور عصيّ دوما على الابتلاع من قبل الفنان ، فلا يجب استسهال هضم الجمهور من قبل الفنان ، ولكن الفنان لا يقدم دوما ما يطلبه الجمهور ،،، وهذه اختيارات معقدة ومسالة غير علمية ، لان التقبّل الفني ليس طبخة شعبية في الاسواق وفي متناول كل الاذواق .
٢٠ – ما حدث في اكثر من مسرح ، في مجال الفن ، هو امر ممكن الحدوث في اكثر من مجال ، دون استثناء الاحزاب والاشخاص والالقاب في عالم السياسة .

شارك رأيك

Your email address will not be published.