تونس وأجندة التدخل الأجنبي

ليس غريبا أن نسجّل في تونس اليوم عمليات تقويض لعجلة التنمية وتزايد في حالات فقدان الثقة على مستوى النخب وانعكاس ذلك على المواطن العادي الذي فقد الأمل حتى في الدولة. هناك عملية مكيافيلية “فَرّقْ تَسُدْ” لشقّ الصفوف الوطنية وتصفية المعارضين والتخطيط لتدمير البلاد وإثارة الفوضى. ليس مستبعدا إذا تواصلت الأمور على ما هي عليه أن يأتي يوم تُصبح فيه الخيانة وجهة نظر.

بقلم العقيد محسن بن عيسى

لا شك أنّ القيم الوطنية في حدودها ومعانيها متكاملة ومترابطة وهي كلٌّ لا يتجزّأ وروح يتجلى وهجها في إخلاص الإنسان لوطنه، أرضا، وتاريخا، وثقافة، وحضارة. و لكن إذا أردنا محاكاة الحاضر برؤية واقعية فعلينا أن نبحث عن مواطن الضعف في هذه القيم لدينا قبل مواجهة الخطر الأجنبي الذي أصبح على أبوابنا.

من هم العملاء خلف خطوطنا؟

المؤسف أنّ أعداء الوطن اليوم يعيشون على أرضه وينتفعون بخيراته ويرفعون نفاقا رايته. لا أدري كيف يغامر البعض بمستقبل وطنهم ودولتهم التي تحكمهم وترعاهم… فهؤلاء يعيشون وضعا مسترابا ويمارسون وجها من أوجه الخيانة دون مبالغة. يقول أحد العارفين بالسياسة: “لا أتصور صراعا في هذا العالم كله بلا طابور خامس. ولا أتصوّر عداءً – حتى لو لم يصل لدرجة النزاع المسلح بين دولتين دون طابور خامس.” للأسف الشديد هناك شخصيات معروضة للبيع وبتسعيرة مُحدّدة سلفا وهم الأعضاء الفاسدة في الجسم العليل وفي جسم الأمة.

لم يعد سرّا ولا خافيا أن القوى الكبرى وغيرها من الدول لها عملاء وجواسيس متغلغلين في كل الميادين والمكونات السياسية والنقابية داخل دول كثيرة من العالم صديقة كانت أم عدوّة. لقد عرف العالم هذا المصطلح السياسي الاجتماعي منذ الحرب الأهلية الأسبانية التي نشبت من 1936 الى 1939.

ويكثر استعمال هذا التعبير اليوم في إشارة الى اليد الخفية التي تعمل في الداخل على إرباك الأوضاع وترجيح كفة قوى معينة على أخرى خدمة لرؤى ومصالح اجنبية. المثير أننا نسمع ونقرأ عن شبهات خيانة لدينا دون فصل نهائي في هذه القضية دبلوماسيا وقانونيا. أسماء دول عربية وإسلامية وغربية متداولة منذ 2011 – بداية حقبة العبث السياسي – التي فتحت باب التدخل الأجنبي لدينا وعلى مصراعيه.

ليس غريبا أن نسجّل عمليات تقويض لعجلة التنمية وتزايد في حالات فقدان الثقة على مستوى النخب وانعكاس ذلك على المواطن العادي الذي فقد الأمل حتى في الدولة. هناك عملية مكيافيلية “فَرّقْ تَسُدْ” لشقّ الصفوف الوطنية وتصفية المعارضين والتخطيط لتدمير البلاد وإثارة الفوضى. ليس مستبعدا إذا تواصلت الأمور على ما هي عليه أن يأتي يوم تُصبح فيه الخيانة وجهة نظر.

الغرب يلعب لعبة مزدوجة

نحن نعيش حالة ضعف في الوعي المجتمعي ولا يمكن الانتصار في أي معركة والحفاظ على السيادة دون وعي المواطن الذي يعكس وعي الشعب التونسي. إن الواجب والضمير يقتضيا جميعا حماية المكتسبات وأبرزها أنّ “تونس دولة مؤسسات” وليست دولة عشائرية أو دولة وراثية أو دولة حزب مسلح. وهنا يكمن سرّ مناعتها واستمرارها.

ليس هناك عداء بين التونسي وقيم الديمقراطية، و الشعب يرى في معظمه أنه يحتاجها وهي مفتاح للتقدم و خارطة طريق تؤدي إلى التطور. ولكني أشاطر الرأي القائل بأن الغرب يلعب لعبة مزدوجة، فهو لا يريدنا أن نصل إلى الديمقراطية وفي نفس الوقت يلومونا على عدم قدرتنا على الحصول عليها.

من الواقعية السياسية ان نكشف، أن بعض الدول تريد فرض نموذجها الديمقراطي أو السياسي الذي يخدم مصالحها. إنه نوع من الترتيبات التي تستبعد من هو خارج مظلتها، ترتيبات بمكيالين ووجهين.

فمنها من تحارب الإرهاب من ناحية وتمنح اللجوء لقادة الإسلام السياسي من ناحية أخرى. ومنها من تستشهد بالمبادئ العالمية لحقوق الانسان في جهة وتزيّن الفجور والرذيلة على أنه طريق الحرية والتطور الحضاري في جهات أخرى. هذا فضلا عن جعل القانون انتقائيا لدى البعض وهدم دولة القانون لدى البعض الآخر. هذه أجندة التدخل الأجنبي والتي سيحققونها بفضل المساعدة التي سيلقونها من حلفائهم لدينا ولدى غيرنا.

غرقنا في دروس القيم المستوردة وتأخّرنا في المؤشرات والإنتاج والمراتب العلمية والمكانة الدولية.

نحن نعرف طريقنا، ولنا إرادتنا ونتمسك بحقوقنا ولا نريد دروسا من أحد في كيفية إدارة بلادنا.

ضابط متقاعد من سلك الحرس الوطني.

شارك رأيك

Your email address will not be published.