الشاعر منصف المزغني ينعى الجيلاني العكروتي ابن مدينة العجيلات الليبية و صاحب البيت الفاتح على الفن في تونس

ورد علينا يوم أمس الاثنين 5 سبتمبر 2022 خبر وفاة بتونس، الأستاذ الجيلاني العكروتي (أو دجو كما يحلو لاصدقائه تسميته)، هو ابن مدينة العجيلات و الرجل المتيم بالمثقفين و الأدباء…

فقده بقوة الادباء و الشعراء و الفنانون لان المرحوم كان فاتحا لهم بيته بتونس على مدار الساعة. حيث كان ذو جود و كرم دون هوادة و يتحلى بنبل الاخلاق مع صانعي الفن و الثقافة و الابداع… و مع الجميع.
فقدوه بقوة كل هؤلاء و نعوه بكل حزن و أسى ما أن باغتهم انتقاله الى رحمة الله. و في ما يلي ما نشره اليوم من شهادات محفورة في ذاكرة الشاعر التونسي منصف المزغني:

“في وداع الجيلاني العكروتي
كتابة : منصف المزغني ، تونس في ٦سبتمبر 2022
١-
آن للجيلاني العكروتي أن يحيا فقط في ذاكرة من عرفوه ،،
لم يعد بوسعنا ان نحلم بسماع صوته في الهاتف
جاءني خبره الاخير من الشاعرين الصديقين الحبيب الاسود ، والجليدي العويني .
٢-
قبل سنوات جاءني هاتف صوت لا أعرفه ، قدّم نفسه ، قال :
( أنا اعرفك ، وانت تعرف ان الشاعر اولاد احمد مريض ، ما رأيك ان أمرّ لآخذك معي الى بيته ، أنا أخوك الجيلاني العكروتي ) …
٣-
كيف أحكي عن هذا الانسان الليبي التونسي الميلاد الذي لا علاقة لروحه بالاسمنت والحديد وهو المقاول في العمارة والبناء ؟
ولكن روح الجيلاني كانت تسكن في بيوت سقفها الفن ،،، ونوافذها الموسيقى والشعر والتمرد على المألوف من الافكار في السهرات العفوية التي كان يقيمها قلب الجيلاني الكبير في بيته الصغير .
٤-
لم يكن الجيلاني يحكي عن السياسة في بيته المفتوح على الفنّ
رغم أنّ باله مشغول على مرّ الساعة ، بأخبار شعبه وأحوال أحبابه واسرته في ليبيا وفي تونس ،،،
رغم ان الميليشيات قتلت ابنه الشاب ( عبدو ) ،،، آه ،، عبدو ،كبده الذي تحوّل الى جرح دائم النزف
في ذاكرة الجيلاني المعلنة والخفيّة ،،،
في ذاكرة الاب وهو يجاهد ، كإنسان شقيّ بحساسيته المفرطة ، ان يتوغل في نسيان ابنه البكر الشاب عبدو القتيل على يد الميليشيات في طرابلس ،،،
وصار الابن معلقا في وجدان الاب ،،،و صورة متوقفة ، عن النموّ ، وخارج التحولات ،
وصار عبدو صورة كبيرة مستقرة في جدار البيت الصغير ،
صورة شاب يحلم بأن المستقبل أفضل ،،،
وصورة عبدو الشاب القتيل التراجيدي المغدور ، باتت لا تخطئها عين العابر والجالس ،،
كما صارت الصورة في مجرى الدم والنفس الذي توقف اليوم الثلاثاء 6 سبتمبر 2022 برحيل الجيلاني العكروتي .
٥-
وكم كان ( عبدو ) طيفا مستقرا في جدار الصالون ،، لم يصغر الابن القتيل ولم يكبر الا في التذكر ،،،
يتذكّر الجيلاني أن ابنه صار معه البيت ، في داخل ابيه، صورة ،، ولكن صورة شاب يافع بروح مؤنسة ،،،
و صار جرحا عصيّا على الشفاء بالنسيان ،،، يطلّ من ذاكرة الجيلاني ، في صورة هي الاكبر في الصالون الصغير ،في ذاكرة قلب كبير .،، قلب والد كان يحلم ، في يوم موته ، ان يكون ابنه ( عيدو ) عريسا،،، ثم نجما في حفل عائلي لاستقبال كلمات العزاء في الوالد ،،،
ولكن الحياة الكلبة تنبح كالقدر الجبّار لتقلب الادوار ،،،
وصار عبدو ملك الحزن في شقة والده في العاصمة تونس.
٦-
صار الجيلاني لا يكف عن دعوة مجموعة صغيرة متآلفة من أهل الفنّ والادب والمسرح في تونس وفي ليبيا ،،، ليصير الاستوديو ، البيت ، مركزا ثقافيا تونسيا ليبيا خاصا ،،بلا دعاية ،،،وكان الجيلاني يريد ان ينسى ألمًا خاصا ، ،، مع الذين يفكرون في مقاومة الموت والنسيان باختراع حياة في الفنّ والابداع .
٧-
كان الجيلاني شخصية جميلة الروح ، سرّيّة الحزن ، و كان كثير الصمت ،لم أسمعه يتحدث يوما عن نفسه ، كان يقدم الناس للناس بفرح خفيّ بالصداقة ،،، وبابتسامة لا تخفيها نظرة ذكية ونبيهة .

ما أمرّ الذكريات ،،،
وماذا تفيد الكلمات اذا الانسان مات ،
واليوم ،،، آن للجيلاني ان ينام خارج البيت ، وداخل ذاكرة واسعة ممن أحبهم واحبوه في ليبيا وتونس .…
٩-
عليك يا الجيلاني العكروتي رحمة الله الاكبر العزيز الغفور الرحيم ، ولأسرتك الصغيرة و الكبيرة في ليبيا وفي تونس جميل الصبر على فقدان قلبك ،،، قلبك الوردة الذي هو أكبر من قبرك . عليك الرحمة
ولنا الصبر الذي يشبه روحك في الجمال

شارك رأيك

Your email address will not be published.