خطة تنموية لإنقاذ تونس

نظرا لخطورة الأزمة المركبة و المعقدة في تونس و التي لم تجد لها السلطات حلاً قابلا للتنفيذ، يقترح كاتب هذا المقال الخطة التنموية التالية من خلال محاور أساسية ثلاثة.

بقلم إلياس القصري

نظرا لخطورة الأزمة التي لم تجد لها السلطات التونسية حلاً قابلا للتنفيذ، مقتصرة على تدابير مؤقتة لصرف الأجور و سداد الديون وما يكفي لقبول صندوق النقد الدولي لمدً تونس بتسهيلات قروض من شأنها فتح المجال للاقتراض على الساحة الدولية للتمادي في نموذج اقتصادي و اجتماعي فاشل مآله مزيد التداين والانهيار الاقتصادي و في غياب توافق على برنامج إصلاحي طويل المدى من شأنه إخراج تونس من الحلقة المفرغة للزيادات في التضخم و الأجور و الجباية و في انتظار إصلاح المنظومة القانونية الإدارية و الجبائية و الصرفية الذي قد يستغرق وقتا طويلا نظرا للتشنج السائد على الساحة السياسية والاجتماعية، من المستحسن النظر في التمشي المقترح حول المحاور الثلاثة التالية:

1-المنهجية:

نظرا للتراكمات الإدارية و الاقتصادية و الضغوطات الاجتماعية التي تحول دون إصلاح جذري و سريع للاقتصاد التونسي، يستحسن اتباع التمشي التدريجي الذي تبعث من خلاله قاطرات تنموية على غرار المناطق الحرة بالخصوص على منوال المناطق الاقتصادية الخاصة (zones économiques spéciales) التي كانت قاطرة التنمية الصناعية والتكنولوجية لجمهورية الصين الشعبية.

هذا و يقترح بعث مناطق اقتصادية خاصة في قطاعات و جهات يلي ذكرها قصد استجلاب مستثمرين أجانب و خلق مواطن شغل للكفاءات التونسية في اطار مناطق حرة يقع التعامل فيها بالعملات الأجنبية حسب مقاييس جودة و شفافية عالمية يتمتع فيها العاملون و مسدو الخدمات بمداخيل بالعملات الأجنبية و يخضعون إلى معلوم جبائي قار ب 15 في المائة قصد تحفيز تلك النشاطات و استخلاص مداخيل جبائية بالعملات الأجنبية. و سيساهم هذا التمشي في تسهيل تحرير الدينار التونسي والارتقاء بالأجور الى مستويات عالمية تقلص من مجال التهريب و الحاجة لتدخلات الدولة في إطار صندوق التعويض.

القطاعات الاستراتيجية المستقبلية:

ا- مكونات السيارات و الطائرات من قطع غيار و ميكاترونيك الى الطاقة الكهربائية:

المكان : بنزرت و تونس الكبرى و سوسة.

الشركاء: ألمانيا و فرنسا و اليابان و كوريا.

ب- الإعلامية وخدمات الأنترنت عن بعد:

المكان: قطب الغزالة و الحسيان و بنزرت و صفاقس.

الشركاء: فرنسا و ألمانيا و الهند و كوريا و البحرين.

ج- السياحة الاستشفائية و الصناعات الصيدلية و التجهيزات الطبية:

المكان: الحسيان و النفيضة و صفاقس و جربة-جرجيس.

الشركاء: فرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة والهند والإمارات العربية المتحدة.

د- صناعة اللباس والجلد ذات الجودة العالية:

المكان: تونس الكبرى وسوسة و صفاقس.

الشركاء: فرنسا وإيطاليا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية.ه

ه- التعليم العالي و التكوين المهني:

المكان: بنزرت و برج السدرية-سليمان و سوسة و صفاقس و قفصة.

الشركاء: الولايات المتحدة الامريكية و المملكة المتحدة و فرنسا و المانيا واليابان و كوريا.

2-البنية التحتية:

لتسهيل بعث القاطرات الاقتصادية آنفة الذكر يستوجب الشروع في إجراءات عاجلة من شأنها بناء الثقة و تحسين مناخ الأعمال ورفع البعض من الحواجز التي كبلت الاقتصاد التونسي و حالت دون أي عملية إنقاذ :

ا- تجهيز ميناء و بحيرة بنزرت وتحويلهما إلى قاعدة لوجستية لصناعة البواخر و التجهيزات البحرية.

الشركاء : الصين و المانيا و كوريا.

ب- نقل مطار تونس قرطاج الى منطقة أوتيك و جعل مطار أوتيك و ميناء بنزرت منصة لوجستية مربوطة بشبكة طرقات وسكك حديدية مع باقي المناطق التونسية و التراب الجزائري قصد تدعيم الاندماج الاقتصادي المغاربي.

الشركاء: فرنسا و الإمارات العربية المتحدة و الصين و كوريا.

ج- تشييد مدينة إدارية جديدة على جزء من المساحة المحتلة سابقا من طرف مطار تونس قرطاج (300 هكتار من المساحة الجملية بقرابة 850 هكتار).

الشركاء: العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة و الصين و تركيا.

د-وضع ميناء رادس تحت إشراف القوات المسلحة لما يكتسيه من اهمية استراتيجية و حياتية للبلاد.

الشركاء: الولايات المتحدة الأمريكية و الامارات العربية المتحدة.

ه- الشروع في انجاز ميناء المياه العميقة بالنفيضة و تحويله مع مطار النفيضة الى منصة لوجستية مع إنجاز حولهما مدينة للخدمات الاقتصادية النظيفة ومدينة طبية للأجانب يقع التعامل فيها حصريا بالعملات الأجنبية.

الشركاء: الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية و الصين و تركيا و الهند.

و- تشييد قصر معارض ومؤتمرات دولي جديد بجزيرة جربة لكي تصبح جزيرة الاحلام قطبا عالميا للسياحة الاستشفائية و المؤتمرات اضافة الى سياحة الشواطيء الموسمية التي بلغت حدودها ولم تعد تفي بالحاجة.

الشركاء: قطر، الكويت، الإمارات العربية المتحدة، المانيا و الهند و الصين.

3- مشاريع كبرى ذات طاقة تشغيلية بالجنوب التونسي:

على غرار ما قامت به الحكومة الأمريكية إثر الأزمة الكبرى لسنة 1929 التي شهدت انهيارا كبيرا للاقتصاد الأمريكي و العالمي و تفاقم نسب الفقر والبطالة ببعث مشاريع كبرى على غرار مشروع وادي تينيسي (Tennessee Valley Authority) في إطار سياسة العقد الجديد (New Deal) التي أطلقها الرئيس الأمريكي روزفلت في 1933 حيث وقع تشغيل عشرات الآلاف من العاطلين عن الشغل لبناء شبكة من السدود و محطًات كهرومائية على نهر تينيسي مما ساهم في التقليص من البطالة والخصاصة و ساهم في إحياء مناطق اقتصادية و فلاحية جديدة في الولايات المتحدة الأمريكية.

ا- بعث سلسلة من المشاريع الكبرى في الجنوب و الظاهر التونسي (حوالي 120 كم على 20 كم) بين ولايات قابس و مدنين و تطاوين على غرار مشروع رجيم معتوق للتنمية الصحراوية بغاية تشغيل الشباب و خلق مواطن رزق و بعث حزام أخضر لحماية التراب التونسي من التصحر و المهربين. و ستعتمد هذه المشاريع على الخبرات التونسية و المياه الجوفية المتواجدة بكثرة في المنطقة الممتدًة بين الجزائر و تونس و ليبيا اضافة الى الطاقة الشمسية. نظرا للمساهمة الإيطالية في إنجاز مشروع رجيم معتوق و مصلحة إيطاليا في بعث مشاريع تنموية من شأنها التقليص في دوافع الهجرة غير النظامية من تونس، فقد يكون من الفائدة طرح هذا المشروع على رئيسة المجلس الإيطالي جورجيا ميلوني خلال زيارتها المرتقبة الى بلادنا.

الشركاء: إيطاليا و فرنسا و الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية و الكويت و كوريا.

ب- انجاز مشروع عملاق لتوليد الطاقة الشمسية بالجنوب التونسي على غرار مشروع ورزازات بالمغرب من شأنه الارتقاء بتونس إلى الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة و جعلها مزودا لأوروبا في مجال الطاقات الخضراء.

الشركاء: الولايات المتحدة الأمريكية و ألمانيا و اليابان.

هذه الخطة تستوجب الجرأة والإرادة الصادقة لإنقاذ تونس و إعادة الأمل لشعبها و شبابها و كفاءاتها من خلال التنسيق مع شركائنا في مجموعة العشرين دولة مصنًعة ( G20) .

من المتوقع أن تكون تونس مطالبة مسبقا بتوخي تمش سياسي أكثر تشاركية و تعديل الخطاب تجاه العالم الخارجي و التحلًي بمزيد التفهم لمتطلبات الاستثمار الخارجي من مرونة وشفافية إدارية و استقرار سياسي و قانوني و جبائي.

و سيكون للدبلوماسية التونسية دور هام في إنجاح هذا المسار بتجنيد الدعم الدولي و ذلك اثر مراجعة جذرية لجهاز وآليات العمل و إمكانيات الدبلوماسية التونسية عن طريق تحوير جوهري في كل المستويات في الإدارة و المراكز بالخارج و تعيين كفاءات عليا في السفارات بما في ذلك، إذا استوجب الامر و اقتضت الحاجة، بانتداب سفراء متقاعدين محنكين عبر عقود برامج لا تتجاوز مدتها سنتين.

ان كان مطلب التشبيب مشروع و الاعتماد على الموالين خيار كل حاكم فالوضع الحرج الذي إن لم يعالج بنجاعة سيصبح كارثيا يستوجب العدول ولو بصفة مؤقتة عن الشعارات التي أفرغت الإدارة و الدبلوماسية من كفاءاتها و أوصلتنا الى هذه الوضعية المتردية.

وضع تونس الداخلي و الخارجي الحرج قد يصبح مأساويا إن لم يقع التدارك السريع و استغلال الفرص و كل الإمكانيات المتاحة داخليا و خارجيا.

و سيكون من الفائدة مزيد تدعيم العلاقات التاريخية مع جمهورية الهند التي ترأس مجموعة العشرين خلال سنة 2023 و التحضير لإعلان رسمي حول الدعم متعدد المجالات لتونس من طرف البلدان المكونة لهذه المجموعة خلال قمة سبتمبر 2023 بالعاصمة الهندية و الذي يجب السعي لإكسائه طابعا يشبه خطة مارشال التي ساهمت في إعادة إعمار أوروبا إثر الحرب العالمية الثانية.

هذه الخطوط العريضة لخطة إنقاذ تونس و الارتقاء بها لما تستحقه من امتياز ونمو و رخاء و استقرار قد تكون آخر فرصة للتدارك لمن له إرادة خالصة وصادقة لإنقاذ البلاد و العباد من أزمة خانقة و الانهيار الاقتصادي و الاجتماعي لا قدًر الله.

و من يشكًك في جدوى و واقعية هذا التمشي فهو يجهل خلفيات عديدة و فرصا أهدرتها تونس خلال آخر سنوات حكم المرحوم بن على و بعد الثورة و بالخصوص خلال قمم التيكاد مع اليابان انطلاقا من سنة 2013 و الرئاسة الألمانية لمجموعة 7 سنة 2015 و مجموعة 20 سنة 2017.

سفير سابق.

شارك رأيك

Your email address will not be published.