دعوة إلى إعادة هيكلة الأحزاب السياسيّة وترسيخ الديمقراطيّة في تونس

لعل فشل حركة النهضة في الحكم و سقوطها المدوي منذ عدة سنوات و عجزها عن الحفاظ على وحدتها و وصولها اليوم إلى حالة من التشرذم و التقوقع ليست خاصة بهذا الحزب بل هي من مميزات معظم الأحزاب في تونس التي لم تتطور في تنظيمها و في أدائها و ظلت نخبوية و منقطعة عن مشاغل الناس و همومهم.

بقلم فوزي بن يونس بن حديد

لماذا لم تنتفض حركة النهضة في تونس إلى حدّ الآن رغم ما أصابها من ضُرّ، فرئيسها يقبع في السجن وبعض أعضائها يُحاكمون أو هم في السجن موقوفون؟ هل فقدت الزخم الذي كانت تنعم به في بداية الثورة داخليًّا وخارجيًّا؟ وما أسباب اختفائها وراء ستار وتخفّيها وراء الأخبار؟ وهل أصبحت في حكم الماضي بعد أن بلغت يومًا الآفاق ووصلت إلى سدة الحكم في البلاد؟ بعد أن ظن الشعب التونسي آنذاك أن الفرج آت
وأن الحركة قادرة على قلب الأوضاع وتحريك الاقتصاد وقيادة دفة البلاد.

لكن ما حدث كان أشبه بانقلاب على انقلاب، خفتَ صوتُها وذبل جمالُها، ولم تقوَ على المواجهة، عصفت بها الأحداث وألقت بها خارج الحكم في قفص الاتهام، هل جنتْ يداها ما يفسر بقاءها وراء القضبان أم أنها تعرضت للتشويه والإقصاء؟ أم أنها كانت مستهدفة من الغرب والأمريكان علما و أنهما ظلا إلى اليوم ينتقدان سجن قادتها و يطالبان الرئيس قيس سعيد باحترام المعايير الديمقراطية؟

حركة تجمع بين المتناقضات

إنها قصة حركة النهضة التي بقيت أسيرة السّلطة في كل زمن كانت تظن أنها الرابحة لكنها تفاجأت في كل مرة أنها تصطدم بالواقع لتنسحب فجأة إما طوعًا أو كرهًا، وتبقى على هامش السياسة رغم أنها لم تختبر السياسة في مسارها النضالي منذ عهد بورقيبة.

لا شك أن التصريحات التي كانت تُدلي بها حركة النهضة هي السبب في تخلّفها، ولن تكون السبب الرئيس بل كانت ضمن أسباب مختلفة جعلتها متخلّفة عن الأحزاب الإسلامية السياسية الأخرى في العالم كحزب العدالة والتنمية في تركيا وحزب العدالة والتنمية في المغرب وغيرها من الأحزاب السياسية ذات الصبغة الدينية التي عرفت كيف تغيّر جلدها وتخدم بلدها دون أن تتعرض لصدمة كبيرة كما تعرّضت لها حركة النهضة في تونس.

ورغم أن الحركة تملك المواهب والقدرات، إلا أنها جمعت بين المتناقضات وهذا سبب تأخّرها ربما، لأن صقورها يحاربون حمائمها، ولا تناغم ولا تجانس بين أبناء الحزب الواحد فكيف سينجح على المستوى الوطني، ولكي ينجح لا بدّ أن يتخلص من أحد جناحيه الذي يُعيق تقدّمه ويجعله دائما يتخبّط في مقعده، لينطلق من جديد برؤية جديد مواكبة وذكيّة للأحداث الجارية والمتطورة دوما، وهذا يطرح مسألة جديدة في تونس ألا وهي توليد أحزاب جديدة يقودها شباب متطلّعون إلى حياة مختلفة، قادرون على العطاء والتجديد، وباذلون الجهد والوقت من أجل الرقي بالبلاد نحو أفق جديد وعالي الطراز، ويتخلصون من رواسب التقليد والطاعة و الانصياع إلى أوامر الرأس القديم.

تجربة الديمقراطية بدأت تخفت شيئا فشيئا

إن الأحزاب السياسية برمّتها، وقد ذكرتُ النهضة مثالا لأنها أقواها وأكثرها شهرة قبل 25 جويلية 2021، تحتاج إلى إعادة هيكلة من جديد وعليها أن تظهر بثوب قشيب، هدفها ليس السياسة والحديث في المنابر الإعلامية، بل هدفها الميدان والمواطن، لتخلق حركة جديدة من شأنها أن
تغيّر وجه الأحزاب السياسية القديمة التي اعتادت على إخفائه لظنّها أنه عورة أو خوفًا عليه من التنمّر لسبب أو لآخر، وحتى تنجح تونس في
تجربتها الديمقراطية التي بدأت تخفت شيئا فشيئا عليها أن تسلك طريقا مختلفا عمّا عهدته، ولذلك انطفأ مصباح الأحزاب السياسيّة الواحد تلو
الآخر، وآخرها حزب النهضة الذي انكمش إلى حدّ كبير ولم يعد مؤثّرا كما كان في الماضي البعيد، أيام كان النّضال من أجل السياسة والحرية
أما اليوم فقد أصبح النضال من أجل العيش الكريم، وهذا ما يفسّر هجرة شبابنا إلى الغرب رغم أنه يخاطر بحياته وحياة أسرته.

فالأحزاب السياسية في أي بلد مثل بيادق الشطرنج، الناجح من يستخدم ذكاءه للوصول إلى القمة، وحينئذ يصير خطيرا وقادرا على فرض
أجندته، وربما قائدًا لمسيرة ساقته الأحداث أن يتربّع على كرسيها ولو لفترة مؤقتة يقدم ما لديه ويفرغ طاقته في خدمة شعبه الأبي ويُريَ
الآخرين الوجه الآخر للتجديد والتطوير مع الحفاظ على أركانه لو خسر المعركة، ولا يسعى أبدا إلى التصادم لأنها معركة خاسرة في عالم
السياسة.

شارك رأيك

Your email address will not be published.